هل يحتاج منجم الذهب للخبز؟!
جو 24 :
كتب تامر خرمه - "المواطن هو منجم الذهب".. حقيقة كشفت عنها الحكومة على لسان ناطقها الرسمي، د. محمد المومني. المسألة لم تعد مزحة كما كان عليه الأمر في السابق، بل باتت قضيّة رسميّة لا تتردّد الحكومة في إعلانها، شاء من شاء، وأبى من أبى.
نعم عزيزي المواطن، أنت منجم الذهب الذي من واجبه الإنفاق على الدولة، وليست تلك الطبقة التي تحتكر الثروات، فالمساس بأموالها من الكبائر الرسميّة! أنت وحدك أيّها المغلوب على أمرك مطالب بحرمان عيالك من قوتهم اليوميّ، من أجل الاضطلاع بدورك الوطنيّ بأن تكون المنجم.
هذا ما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال لقاء جمعه بنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، في مقرّ دار رئاسة الوزراء. بمعنى أن الحكومة لا تكتفي بإعلان هذا الموقف فحسب، بل ترغب بشدّة في أن يتمّ الترويج له على أوسع نطاق، سواء على موقع "الفيسبوك" أو "التويتر"!
ولم لا.. فليعلم الجميع هذه الحقيقة. القضيّة لم تعد مجرّد بالونات اختبار يجري إطلاقها قبل كلّ قرار غير شعبيّ، بل باتت تحدّيا واضحا، وتكليفاً رسميّاً للفقراء بالإنفاق على الأغنياء، وكذلك على الحكومة، من أجل بناء مدينتها الجديدة، خاصّة وأنّها لا تمتلك كلفة بناء هذه المدينة..
قد تكون هذه هي المرحلة الفارقة في تاريخ الدولة الأردنيّة، التي أشار إليها الرجل في تصريحاته، ولكنّها لا تكمن في ما وصفه بمغادرة الدولة الريعيّة، بل في مغادرة دبلوماسيّة التخاطب مع الناس، والاستهتار بالشعب لهذه الدرجة، دون أخذ مسألة العدالة الاجتماعيّة بعين الاعتبار. هي مرحلة الأغنياء التي لا دور للفقراء فيها سوى الدفع بالتي هي أحسن.
الاستخفاف بالناس وصل بالناطق الرسمي باسم الحكومة إلى الإصرار على رواية مضحكة، عبر التصريح لوسائل إعلام بأن الحكومة قامت بـ "ضبط" كميات من الخبز والطحين أثناء محاولة تهريبها إلى دول مجاورة". أيّ أنّك يا "منجم الذهب" ستتحمّل رغماً عنك قرار رفع سعر الخبز، منعاً لـ "تهريبه"!
أمّا الحديث عن "آليّة مدروسة" لدعم المواطن عوضاً عن دعم السلعة، فلا يخفى على أحد أنّ المسألة تتعلّق بمرحلة انتقاليّة، لامتصاص غضبة الشارع، قبل رفع الدعم عن الجميع. وهل تحتاج "مناجم الذهب" إلى الدعم من أجل لقمة خبز؟!
كما قال المومني في ذلك اللقاء أن الأردن ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه. طيّب لم لم يكمل معاليه ويذكر السبب. أوليس الاحتلال الذي رهنت الحكومة مستقبل الوطن برغباته عبر توقيع اتّفاقيّة الغاز معه، هو المسؤول عن هذا الفقر المائيّ.
وبما أن الرجل أكّد أن "ترحيل الأزمات" غير وارد على أجندة الحكومة، فلماذا لا يتجرّع حليب السباع ويعلن عن خطّة الحكومة التي يمثّلها لانتزاع حقّنا في المياه من العدوّ، عوضاً عن توقيع معاهدات تحكم قبضته على البلاد؟!
إذا كنت تريد تحويل المواطن إلى "منجم ذهب" فاحفظ له كرامته على الأقلّ. إفقار الناس على هذا النحو، وتحميلهم مسؤوليّة سوء الإدارة في الإنفاق الحكوميّ، ومسؤوليّة عبث الفاسدين واعتداءاتهم المستمرّة على المال العام، بالتوازي مع إهدار كرامتهم عبر تمكين الاحتلال الصهيوني كلّ سبل الهيمنة على مستقبلهم، لا يمكن أن يقود إلى "الضوء" الذي تراه الحكومة في آخر "النفق"، فهذه الحكومة هي النفق بحدّ ذاته!