هندسة التجهيل.. وثلاثة آراء بالعاصمة الجديدة
د. حسن البراري
جو 24 :
في محاضرة قيمة ألقاها الدكتور سامر حنفي – من الجامعة الأمريكية في بيروت – بمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية تطرق فيها لمفهوم صناعة الجهل أو هندسة التجهيل (Agnotology)، وهو مفهوم ابتكره البرفسور الأمريكي روبرت بركتور. وبالرغم من أن الدكتور حنفي استخدم المفهوم للحديث عن موضوع مختلف إلا أني اجده مفهوم له دلالة عند أي محاولة جادة لفهم كيف تُسيّر الحكومات الأردنية المتعاقبة الشأن العام في الأردن مع مفارقة أن سياسة الحكومات المتعاقبة لم ينتج عنها تجهيل فقط وانما انعدام ثقة بينها وبين المواطن إذا أن فجوة الثقة تنامت لدرجة لا يمكن ردمها إلا باصلاحات حقيقية لا تريدها النخب الحاكمة والنافذة.
جرى حديث عن الدولة العميقة وعن وجود مركز أمني سياسي يخطط ويدير الأمور غير أن المتابع للتصريحات المتناقضة للحكومة لربما تراجع عن فكرة وجود مركز أمني سياسي أو ضابط اروكسترا لأنه تصريحات وزير الاعلام على سبيل المثال بشأن العاصمة الادارية لا تشي بأن الرجل مطلعاً أو أن هناك بالفعل بالحكومة من يعرف القصة وحبكتها، فما هي طبيعة المدينة؟ ومتى أجريت درسات الجدوى؟ وكيف يعقل أن تتمكن حكومات غير قادرة على انجاز مشروع الباص السريع التصدي لمشروع بهذه الضخامة؟ والأهم من وجهة نظري هو السؤال المنطقي المرتبط بتصريحات ترامب الأخيرة بشأن توطين اللاجئين في البلاد التي يتواجدون فيها وفيما إذا كانت المدينة الجديدة هي مصممة بالاساس لهذا الغرض؟ والحق أنني لا أملك المعلومة للتأكيد على ارتباط تصريحات ترامب التوطينية بالمدينة المقترحة لكن غياب الثقة بالحكومة يدفع الكثيرين إلى التوجس من هذه المشاريع الضخمة.
هناك ثلاث اتجاهات رئيسية تناولت موضوع المدنية الجديدة. يتحدث الاتجاه الأول عن ضرورة اقامة هذه المدنية لأن عمان لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من البشر بسبب أن بنيتها التحتية ليست معدة لأكثر من نصف الذين يقطنون بها. لذلك أصبح من الضرورة سحب العاصمة في منطقة بعيدة نوعا ما للتخفيف عن عمان ولربما لخلق مشاريع استثمارية جديدة تعود بالنفع على الاقتصاد الأردني. وحجة هؤلاء أن الذين ينتقدون فكرة العاصمة الجديدة لا يقدمون حلولاً لما آلت اليه العاصمة. وهناك اتجاه آخر لا يثق بالحكومة ويربط بين المشروع المقترح والفساد، فخشية الأردنيين من أن يكون المشروع توطئة لفساد كبير سيطلب منهم دفع ثمنه في النهاية تدفعهم للتوجس منه ومعارضة المشروع برمته. وهناك فريق ثالث يرى بأن المدنية المقترحة ما هي إلا توطئة لتوطين اللاجئين وأنها أي المدينة أكبر بكثير من امكانات حكومات هزيلة لم يعرف عنها انجاز أي مشروع كبير، وعليه لا بد أن اقامة مدينة بهذا التوقيت ومن دون سابق انذار يأتي في سياق تفاهمات أكبر من الحكومة ومتعلقة بالعلاقات الدولية للأردن.
كل هذه الاتجاهات مشروعة، فهي تنطلق من هم وطني وخوف على الوطن، والأهم أن فقدان الحكومة لثقة الشارع هو من أدى إلى بروز المشككين بهذه المدينة. كنت أتمنى أن تكون هناك حكومة صاحبة ولاية عامة قادرة على توضيح موقفها، فتصريحات رئيس الحكومة ووزير اعلامه لا يأخذها الاردنيون على محمل الجد إلا عندما يتعلق الأمر بفرض الضرائب، والمشكلة ليست باشخاص الحكومة فقط وانما بالوظيفة المناطة بالحكومة بالاساس كونها حكومة تنفذ برنامجا عابرا للحكومات مفروض على الأردن من قبل البنك الدولي.
دأبت الحكومات والاعلام المرتبط بها على خلق وهم في الشارع الأردني يحذر من المعارضة على اعتبار أنها معارضة للوطن وليست معارضة مشروعة وصحية للحكومات، ففي بريطانيا تعين الملكة المعارضة لتشكيل حكومة ظل بحيث تصبح الحكومة والمعارضة معا في خدمة البلد، في بلادنا الأمر مختلف إذ تم خلق وترسيخ انطباع بأن هناك موالاة وهناك معارضة وكأن المعارضة غير موالية. وساهم في هذه الحالة من التجهيل المعارضة نفسها التي تنصب نفسها ليست معارضة للحكومة وانما للنظام ولهذا أسباب كثيرة تعود للخمسينيات لا مجال لسردها.
في المحصلة يشعر المواطن بأنه ضحية لحكومات لا تقيم وزنا لرأيه وتقوم بعملة هندسة التجهيل ومعارضة منفصلة عن الواقع وما زال جزءا منها يؤمن بأفكار غير وطنية ولا يمانع حتى من اجراء تغييرات كبيرة جدا تعصف بالدولة وهويتها. لذلك عندما يطرح مشروع مثل المدينة المقترحة يخشى الناس منها ومن رأي الحكومة ولا يثق بالوقت ذاته بالمعارضة ولا دوافعها.
جرى حديث عن الدولة العميقة وعن وجود مركز أمني سياسي يخطط ويدير الأمور غير أن المتابع للتصريحات المتناقضة للحكومة لربما تراجع عن فكرة وجود مركز أمني سياسي أو ضابط اروكسترا لأنه تصريحات وزير الاعلام على سبيل المثال بشأن العاصمة الادارية لا تشي بأن الرجل مطلعاً أو أن هناك بالفعل بالحكومة من يعرف القصة وحبكتها، فما هي طبيعة المدينة؟ ومتى أجريت درسات الجدوى؟ وكيف يعقل أن تتمكن حكومات غير قادرة على انجاز مشروع الباص السريع التصدي لمشروع بهذه الضخامة؟ والأهم من وجهة نظري هو السؤال المنطقي المرتبط بتصريحات ترامب الأخيرة بشأن توطين اللاجئين في البلاد التي يتواجدون فيها وفيما إذا كانت المدينة الجديدة هي مصممة بالاساس لهذا الغرض؟ والحق أنني لا أملك المعلومة للتأكيد على ارتباط تصريحات ترامب التوطينية بالمدينة المقترحة لكن غياب الثقة بالحكومة يدفع الكثيرين إلى التوجس من هذه المشاريع الضخمة.
هناك ثلاث اتجاهات رئيسية تناولت موضوع المدنية الجديدة. يتحدث الاتجاه الأول عن ضرورة اقامة هذه المدنية لأن عمان لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من البشر بسبب أن بنيتها التحتية ليست معدة لأكثر من نصف الذين يقطنون بها. لذلك أصبح من الضرورة سحب العاصمة في منطقة بعيدة نوعا ما للتخفيف عن عمان ولربما لخلق مشاريع استثمارية جديدة تعود بالنفع على الاقتصاد الأردني. وحجة هؤلاء أن الذين ينتقدون فكرة العاصمة الجديدة لا يقدمون حلولاً لما آلت اليه العاصمة. وهناك اتجاه آخر لا يثق بالحكومة ويربط بين المشروع المقترح والفساد، فخشية الأردنيين من أن يكون المشروع توطئة لفساد كبير سيطلب منهم دفع ثمنه في النهاية تدفعهم للتوجس منه ومعارضة المشروع برمته. وهناك فريق ثالث يرى بأن المدنية المقترحة ما هي إلا توطئة لتوطين اللاجئين وأنها أي المدينة أكبر بكثير من امكانات حكومات هزيلة لم يعرف عنها انجاز أي مشروع كبير، وعليه لا بد أن اقامة مدينة بهذا التوقيت ومن دون سابق انذار يأتي في سياق تفاهمات أكبر من الحكومة ومتعلقة بالعلاقات الدولية للأردن.
كل هذه الاتجاهات مشروعة، فهي تنطلق من هم وطني وخوف على الوطن، والأهم أن فقدان الحكومة لثقة الشارع هو من أدى إلى بروز المشككين بهذه المدينة. كنت أتمنى أن تكون هناك حكومة صاحبة ولاية عامة قادرة على توضيح موقفها، فتصريحات رئيس الحكومة ووزير اعلامه لا يأخذها الاردنيون على محمل الجد إلا عندما يتعلق الأمر بفرض الضرائب، والمشكلة ليست باشخاص الحكومة فقط وانما بالوظيفة المناطة بالحكومة بالاساس كونها حكومة تنفذ برنامجا عابرا للحكومات مفروض على الأردن من قبل البنك الدولي.
دأبت الحكومات والاعلام المرتبط بها على خلق وهم في الشارع الأردني يحذر من المعارضة على اعتبار أنها معارضة للوطن وليست معارضة مشروعة وصحية للحكومات، ففي بريطانيا تعين الملكة المعارضة لتشكيل حكومة ظل بحيث تصبح الحكومة والمعارضة معا في خدمة البلد، في بلادنا الأمر مختلف إذ تم خلق وترسيخ انطباع بأن هناك موالاة وهناك معارضة وكأن المعارضة غير موالية. وساهم في هذه الحالة من التجهيل المعارضة نفسها التي تنصب نفسها ليست معارضة للحكومة وانما للنظام ولهذا أسباب كثيرة تعود للخمسينيات لا مجال لسردها.
في المحصلة يشعر المواطن بأنه ضحية لحكومات لا تقيم وزنا لرأيه وتقوم بعملة هندسة التجهيل ومعارضة منفصلة عن الواقع وما زال جزءا منها يؤمن بأفكار غير وطنية ولا يمانع حتى من اجراء تغييرات كبيرة جدا تعصف بالدولة وهويتها. لذلك عندما يطرح مشروع مثل المدينة المقترحة يخشى الناس منها ومن رأي الحكومة ولا يثق بالوقت ذاته بالمعارضة ولا دوافعها.