حادثة الرفاعي.. متى ينتهي مسلسل الأخطاء الفردية!؟
جو 24 :
تامر خرمه -
لم يتوقّع أحد أن يشهد الأردن يوماً تتداعى فيه الأجهزة الأمنيّة على رصيد الدولة، كتداعي الأكلة إلى قصعتها. مسألة محزنة، ولكنّها -مع الأسف- باتت حقيقة تفرض نفسها على أرض الواقع. بعض عناصر الأمن العام، الذين يفترض أن واجبهم حماية الناس وضمان سلامتهم، باتوا أكبر مصدر قلق، وتهديد لأمن المواطن الشخصيّ.
حادثة الترويع التي رصدها تسجيل "فيديو" خلال اعتقال الزميل أشرف الرفاعي، ناشر موقع "إبشر نيوز"، ليست فريدة في نوعها، وليست هذه المرّة الأولى التي تكشف فيها "الكاميرات" كيف يستهلك بعض عناصر هذه الأجهزة رصيد الدولة الشعبيّ، ويزعزعون الثقة بالمؤسّسات الرسميّة، دون أيّ ضرورة أو مبرّر.
صحيح أن التسجيل لم يظهر اعتداء جسديّاً كذلك الذي تعرّض له الأستاذ في جامعة اليرموك، د. محمد الذيابات، بيد أنّ ترويع عائلة الرفاعي على هذا النحو، لا يمكن تفسيره إلاّ بوجود عقيدة غريبة لدى مثل هذه العناصر، الذين يناصبون المواطن العداء، دون أيّ داع، ويستغلّون وظائفهم للتعبير عن مكنونات سيكيولوجيّة معقّدة وغير مفهومة.
ترى، هل فكّر أحد أولئك العناصر في تبعات مثل هذا التصرّف على الأطفال الذين أرعبهم المشهد، وهل يملك مدير الأمن العام الإجابة على تساؤل يفرض نفسه هنا: كيف يمكن أن يكون لأجيال المستقبل انتماء للدولة عندما تروّعهم على هذا النحو؟ وما هو الهدف من وراء مثل هذه التصرّفات؟
بالطبع قد يحاول البعض تبرير الحادثة بوصفها حادثة فرديّة، ولكن متى سينتهي مسلسل الحوادث الفرديّة الذي طال أكثر ممّا يمكن احتماله أو حتّى تخيّله؟! الرجل لم يقتل أحداً، ولم يقم بعمليّة إرهابيّة، كلّ ما في الأمر أنّه مطلوب لمخالفة نشر مفترضة، فما هو مبرّر كلّ هذه الكراهية التي تتجاوز كافّة معايير الرأفة والإنسانيّة؟!
كان من الممكن، بل واليسير معالجة الموقف بطريقة أكثر بساطة وحضاريّة، بحيث يقوم الأمن العام بدوره دون التسبّب بكلّ هذا الهلع. هذا من جهة. ومن جهة أخرى علمت جو24 أن الرفاعي قد تمّ تكفيله، ومازال القضاء ينظر في قضيّته. فلماذا يصرّ التنفيذ القضائي على جلبه ثانية، وعلى هذا النحو؟!
هل كان من الصعب إبلاغه بالحضور صباحاً إلى المركز الأمني في حال كان مطلوباً لسبب آخر؟ الرجل لا يشكّل أيّ خطر على الأمن المجتمعي، والقضيّة لا تحتاج لكلّ هذا العنف والإلحاح على حجز حريّته فور رؤيته.
استمرار هذه الممارسات التي تسيء لمؤسّسة الأمن قبل أيّة جهة أخرى، وتواصل هذه الاعتداءات على كرامة الناس، لا تعني إلاّ إصرار البعض على النهش في لحم الدولة، وغرس أظافر الكراهية في ثقة الشعب بمؤسّساته.
ما يحدث يعبّر عن معضلة حقيقيّة، فمن الواضح أن مدير الأمن العام غير مدرك تماماً لتبعات مثل هذه السلوكيّات، فعوضاً عن ممارسة دوره باحترافيّة تليق بهذا الجهاز، يصرّ الرجل على تجاهل هذه الحوادث، بدليل تكرّرها واستمرارها. بصراحة إقالة الرجل باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل، فأن يكون هذا الجهاز -بشكل خاصّ- هو ما يقتات على رصيد الدولة في صدور الناس، هو آخر ما يمكن القبول به.