2024-05-14 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الخبز وثمن "السيجارتين"

الخبز وثمن السيجارتين
جو 24 :
تامر خرمه- رئيس الوزراء، د. هاني الملقي، يصرّ على التمسّك بذات الذريعة التي لم تفارق لسانه طيلة الفترة القصيرة الماضية، حيث ما زال الرجل يردّد -كمن يريد أن يقول: "يوريكا"- أنّه لا توجد دولة في العالم تدعم الخبز. طيّب، لا تدعم الخبز. المسألة في غاية البساطة، ولكن أيضاً لا توجد دولة في العالم تحصد من جيوب مواطنيها كلّ هذا القدر من الضرائب غير المقنعة وغير المبرّرة، بل ودون وجود مقابل نوعيّ!

تراجع يا زعيم الدوّار الرابع عن كلّ هذه الضرائب غير العادلة، التي فرضتها أنت ومن سلفك، اقتداء بكلّ دول العالم. عندها يكون حديثك عن رفع الدعم عن الخبز أكثر منطقيّة. أمّا الكيل بمكيالين واختيار ما يناسب سياسة التنكيل بالفقراء، عبر استعراض واقع وتجارب "دول العالم"، فهو محض عبث غير ماهر بالكلمات.

الملقي أضاف أيضاً في تلك التصريحات، التي وردت خلال لقاء جمعه بكتلة الديمقراطيّة النيابيّة، أن سعر كيلو الخبز بثمن "سيجارتين". صاحبنا قال هذه الجملة كمن يستهجن أمراً جللاً.

يا رجل.. ألا تعتقد أن ثمن "السيجارتين" مرتفع جدّاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القدرة الشرائيّة لغالبيّة الناس.. هذا من جهة. من جهة أخرى من الطبيعيّ جدّاً أن يكون ثمن الخبز أقلّ بكثير من ثمن "السجائر". منطق العدالة أن يكون سعر كيلو الخبز بثمن "شفطة" يا دولة الرئيس، وليس "سيجارتين" كاملتين!

المضحك أن رئيس الوزراء تابع في سرديّته بقوله أنّه "يرمي كلّ سنة 100 مليون دولار في الأرض"، وكأن الرجل "يرمي" هذه الملايين من جيبه الخاصّ، وليس من جيوب الناس الذين يدفعون ضرائب ليس كمثلها شيء!! إذا أردت تحصيل كلّ هذه الأموال للخزينة على حساب دافعي الضرائب، فإن دعم الخبز وكافّة السلع الأساسيّة هو أقلّ ما يمكن القيام به لتبرير هذه السياسة.

الحديث عن تشوّهات اقتصاديّة نجمت نتيجة دعم السلع الأساسيّة له ما يبرّره لو كان الواقع أكثر عدالة ومنطقيّة. عندما يتمّ اعتماد ضريبة تصاعديّة، وتكون الجمارك وضريبة الدخل على الأثرياء، والضرائب المفروضة على كبرى الشركات، تشكّل حصّة الأسد من الإيراد الضريبي، عوضاً عن التركيز المستمرّ على ضريبة المبيعات.. عندما تتحقّق العدالة الاجتماعيّة، فقط في تلك المرحلة، يمكن الحديث عن إزالة هذه "التشوّهات" من خلال رفع الدعم الحكوميّ.

أمّا قول دولته بأنّه من "الأولى تحويل هذه المبالغ للفقراء"، فيعكس تناسيه لحقيقة أن خزينة الدولة تعتمد على هؤلاء الفقراء بالدرجة الأولى.. خطّ الفقر ينبغي أن يكون مناسباً لمعدّل التضخّم. من هذا المنطلق يمكن وصف غالبيّة المواطنين بالفقراء. توقّفوا عن عصر جيوبهم، قبل الحديث عن "الأولويّات".

من الواضح أن مسألة رفع الدعم عن الخبز باتت محسومة عند الدوّار الرابع. ولكن ماذا ستكون نتيجة مثل هذه الخطوة، فل ظلّ واقع اقتصاديّ متردّ، وفشل دبلوماسيّ أدّى إلى تراجع المنح والمساعدات الخارجيّة، وإقليم مشتعل، وأزمة اجتماعيّة عميقة؟! هل يمكن المغامرة بمصادرة خبز الناس في مثل هذه الظروف؟!

كارثة الأردن تكمن في أن صنع القرار السياسي حكراً على نخبة "البزنيس"، التي تحرّم المساس بمصالحها وممتلكاتها وثرواتها تحت أيّ شعار، حتّى ولو كان المواطنة. ولتجاوز مختلف المطبّات التي تسبّبت بها سياسة هذه النخبة، يتمّ اللجوء دورما إلى جيوب الغلابى. واليوم بات رغيف الخبز في يد الفقير أمراً "عجيباً"!!

دعوكم من خبز الناس وفتّشوا عن حلول أخرى يا جهابذة الإفلاس السياسي. هذا هو الخطّ الأحمر الذي لا يعني تجاوزه إلاّ تدمير البلاد، والمغامرة بحاضرها ومستقبلها، ولتتحمّل تلك النخبة هي مسؤوليّة جشعها وسوء تدبيرها.
 
تابعو الأردن 24 على google news