خسائر "الكهرباء الوطنيّة".. وحقيقة الصفقة
تامر خرمه- التوجّهات الرسميّة لتعويض خسائر شركة الكهرباء الوطنيّة على حساب المواطن الرازح تحت وطأة الأزمة المعيشيّة الخانقة، لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، خاصّة إذا علمنا أنّ خسائر الشركة جاءت نتيجة لضمان ربح شركات التوليد والتوزيع التابعة للقطاع الخاص، عبر تحميل "الكهرباء الوطنيّة" الفرق الناجم عن ارتفاع أسعار المشتقّات النفطيّة.
وكان مشروع قانون موازنات الوحدات الحكوميّة للسنة الماليّة 2013، قد قدّر خسائر شركة الكهرباء الوطنيّة بنحو 714 مليون دينار لهذا العام، في حين قدّرت استراتيجيّة شركة الكهرباء الوطنيّة ارتفاع التعرفة الكهربائيّة بنسبة 40 % خلال الفترة (2013-2017)، وذلك لإطفاء خسائرها المتراكمة، والتي بلغات نحو 2.3 مليار دينار.
الغريب أن جميع الشركات العاملة في قطاع الكهرباء تحقّق أرباحاً سنويّة مرتفعة، باستثناء شركة الكهرباء الوطنيّة، ومردّ ذلك إلى اتفاقيّة الخصخصة التي جرى وفقها بيع شركة توليد الكهرباء المركزيّة لشركة دبي كابيتال، حيث تضمّنت تلك الاتفاقيّة شرطاً يلزم شركة الكهرباء الوطنيّة بتحمّل فرق أسعار المشتقّات النفطيّة في حال ارتفاعها.
كما تلزم تلك الاتفاقيّة شركة الكهرباء الوطنيّة بشراء الطاقة المنتجة وغير المنتجة بناء على "التوافريّة"؛ وهو مصطلح فنّي يشير إلى التزام الشركة الوطنيّة بشراء الطاقة التي تستطيع شركة التوليد إنتاجها بصرف النظر عن كميّة الطاقة التي تحتاجها شركات التوزيع، بحيث تدفع شركة الكهرباء الوطنية لشركة التوليد ثمن كلّ ما تكون الأخيرة قادرة على إنتاجه بناء على "التوافريّة" وليس استناداً إلى كميّة الطاقة المسحوبة، ما يشكّل المزيد من الأعباء.
"عملية التخاصيّة اشتملت على شبهة كبيرة"، يقول الناشط النقابي محمود أمين الحياري، مطالباً بمراجعة تلك الاتفاقيّات وإعادة صياغتها بما لا يلزم شركة الكهرباء الوطنيّة بضمان ربح الشركات الأخرى العاملة في القطاع.
كما ينوّه الحياري إلى ان شركات توزيع الكهرباء الثلاث لديها بالقانون ما يضمن ربحها سنويّاً، مطالباً هيئة تنظيم قطاع الطاقة وشركة الكهرباء الوطنيّة بمراجعة الاتفاقيّات السابقة بحيث لا تضمن ربحيّة الشركات الأخرى العاملة في القطاع، وتحمّلها جزء من الفورقات الناجمة عن ارتفاع أسعار المحروقات، "وبذلك نستطيع ان نضمن خفض قيمة العجز خلال مدّة معيّنة".
ويضيف: "لا يعقل أن تعمد شركة الكهرباء الوطنيّة إلى رفع الأسعار على المستهلك لإطفاء العجز، فالعجز يفترض ان تتمّ جدولته بضمانات حكوميّة وضمانات الشركات الاخرى العاملة في القطاع، ولا يمكن إطفاؤه بشكل مباشر عبر جيب المواطن بحجّة ساقطة حكماً".
يشار إلى أن شركة الكهرباء الوطنيّة تقوم بشراء الطاقة من شركة التوليد وبيعها لشركات توزيع الكهرباء الثلاث، وهي: شركة كهرباء إربد، التي يملك "المقاولون العرب" والمستثمرون المصريّون الجزء الأكبر من أسهمها، وتقوم بتزويد شمال المملكة بالكهرباء.. وشركة الكهرباء الأردنيّة التي أنشئت برأس مال وطني، وتملك مؤسسة الضمان الاجتماعي الجزء الأكبر من أسهمها، وتقوم بتزويد القطاع الأوسط (عمان، الزرقاء، مادبا، إربد) بالكهرباء.. وشركة توزيع الكهرباء التي يعود 80% من اسهمها لمستثمرين غير أردنيّين (أغلبهم من دول الخليج)، وتقوم بتزويد جنوب الأردن بالكهرباء.
وتراكم شركات التوزيع الثلاث وشركة التوليد المركزيّة أرباحها مقابل خسائر فادحة في شركة الكهرباء الوطنيّة، وفي نهاية الأمر يكون المواطن هو المطالب بتحمّل هذه الخسائر عبر رفع أسعار الكهرباء، لضمان المزيد من الأرباح للمستثمرين غير الأردنيّين، الذين يملكون حصّة الأسد من أسهم القطاع الخاص !!
مجرّد واجهة "وطنيّة" لحماية أرباح القطاع الخاص.. هذا ما يقتصر عليه دور شركة الكهرباء الوطنيّة التي تقوم بجباية أموال المواطنين لتحمّل الخسائر وتنمية أموال المستثمرين، فيما تصرّ السلطة التنفيذيّة على الترويج لحجج واهية من أجل تحقيق المزيد من الأرباح للقطاع الخاص عبر رفع كلفة فاتورة الكهرباء !!