بعد عامين من الحراك الأردني.. لا بد من مراجعة
بعد مضي عامين من الحراك الأردني لتحقيق إصلاحات جذرية وأهداف وغايات واضحة المعالم تخرج بالوطن من دوامة الإفساد الممنهج والبيع للوطن والشعب ومقدراته، ولم نحقق شيئا حقيقيا جذريا يذكر، بل عدنا إلى الوراء خطوات وخطوات حيث عاد النظام إلى مسلسل رفع الأسعار، وأجرى انتخاباته على أساس قانون الصوت الواحد وزينها بزركشات تجميلية أسماها القائمة الوطنية التي لم ولن تغير في المعادلة شيئا، وكلنا رأينا تداعيات الانتخابات الأخيرة التي تجري لأول مرة في ظل هيئة مستقلة للانتخاب فكانت أسوأ من كل سابقاتها، وشكلت حالة من الغضب والحنق الشعبي غير مسبوقة، بعد كل هذا التعنت والتراجع كان لزاما علينا أن نقف ونراجع أنفسنا وأسباب ما وصلت إليه الحالة الأردنية، وعدم مقدرة الحراك على تحقيق أهدافه وغاياته.
أقول بداية وبالله التوفيق : أرجو أن لا يفهم أحد أني أثبط العزائم وأدعو إلى اليأس والقنوط والقعود والسكوت بكلامي هذا، بل على العكس أهدف إلى أن نقيم عملنا ونجدد في وسائل حراكنا، ونأخذ بالأسباب بشكل أفضل وأدق لنصل إلى حراك أقوى وأكثر تأثيرا وضغطا على النظام لانتزاع الحقوق، لأن من لا يتبع سنن التغيير وأسبابه ووسائله لا يمكن أن يصل إلى الهدف والغاية، تماما كما يقول الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها.. إن السفينة لا تجري على اليبس
نعم لقد نجح الحراك الأردني وقياداته السياسية والشعبية في تحديد الأهداف والمطالب والغايات، لكنه أبدا لم ينجح في تحديد خارطة الطريق ـ إن جاز التعبيرـ لتحقيق الغايات، فلا نظن أننا باستمرارنا فقط بحراك أسبوعي جمعي يمكن أن نحقق المراد دون تطوير وتجديد ونقلة نوعية حقيقية توصلنا إلى الهدف المنشود، تماما كمن قرر أن يحصل على شهادة الدكتوراة مثلا في تخصص معين ثم لم يسجل في جامعة، ولم يدفع رسوما، ولم يدرس مساقات جامعية، بل ظن أنه بجلوسه في إحدى المكتبات العامة، وانكبابه على الكتب المختلفة المتخصصة في ذلك العلم يحصل على الشهادة، فاكتشف بعد زمن طويل أنه رغم حصوله على ثقافة وعلم ودراية في ذلك التخصص بسبب اطلاعه إلا أنه لم يحصل على الشهادة، والسبب بسيط أنه لم يتبع الطريق الصحيح التي توصله إلى الغاية، وكذلك نحن حيث لم نحدد بوصلة واضحة للطريق ومراحل وخطوات متتالية متتابعة متجددة ننتقل من واحدة إلى أخرى، بل اكتفينا بوسيلة وطريقة واحدة تمترسنا وراءها وكررناها فقط وهي الحراك الأسبوعي، وتخللتها بعض الفعاليات المركزية الحاشدة المؤقتة أيضا، لكننا ما زلنا غير مستعدين لدفع الثمن وبذل التضحيات، والتحدي والصمود في وجه نظام لن يتنازل بسهولة لا هو ولا غيره عن احتكاره للسلطة والنفوذ والثروات في هذا الوطن المتألم لكثرة الجراحات التي تثخنه يوما بعد يوم.
وكي أكون واضحا سأضرب مثلا على حراك وطني حر أبي أنجز وغير وحقق أمورا كانت في عداد المستحيلات في يوم من الأيام، ألا وهو حراك المعلمين الأردنيين الذي انطلق قبل الربيع العربي بعشرة أشهر، لكنه اغتنم الفرص ولم يضيعها كما ضيعناها، واستفاد من أخطاء وهفوات رجالات النظام وحول منها شحنا تعبويا عاليا لدى المعلمين تمثلت في إضرابات عن العمل واعتصامات بعد الدوام واحتجاجات ولقاءات وغيرها، ثم أخيرا اغتنم أيما اغتنام الربيع العربي، فحدد الحراك سقفا أعلى للحكومة التي كانت تعطي وعودا في الهواء كسبا للوقت وهدرا للفرصة التاريخية، لكن حراك المعلمين ولجنته الوطنية كان يقظا وفوت عليهم الفرصة حين أعلن في نهاية فترة السماح إضرابا مفتوحا عن العمل يوم 2032011، أرغم السلطة بعد 5 أيام فقط من انطلاقه على الاعتراف بدستورية النقابة في اليوم التاريخي الذي مازال حيا في ذاكرة الأردنيين وسيبقى نقطة تحول عظيم في الحراك كله معلمين وإصلاحيين إلا وهو 24 آذار 2011 لما يحمل من دلالات كبيرة نعرفها جميعا، وصار الحلم حقيقة وعادت نقابتنا العظيمة بعد ما حرم المعلم منها على مدى ستة عقود كان النظام يقول فيها دائما : لا وجود لنقابة المعلمين في الأردن.. لكن إرادة الشعب وإرادة المعلم الأردني الحرة الأبية كانت هي الأقوى وحققت المحال، وحولت الحلم إلى واقع ملموس نسأل الله أن يتممه بالنجاح والتقدم والإنجاز.
فأقول لأولئك القيادات السياسية والحراكية الذين يضربون المثل بنقابة المعلمين : لولا أن المعلمين اغتنموا فرصة الربيع العربي ولم يضيعوها، وتحدوا في إضراب مفتوح عن العمل هل كانوا سيتمكنون من انتزاع حقهم ؟؟!! لولا أن المعلمين سارعوا بعد شهرين فقط من انطلاق حراكهم إلى تنظيم حراكهم الذي بدأ عفويا عشوائيا وتأطيره في لجنة وطنية على مستوى الوطن تتفرع عنها لجان فرعية في كل مديرية من مديريات التربية تصل إلى كل مدرسة وكل معلم قدر الإمكان، هل كان سيستمر الحراك ويثمر هذه الثمرات والإنجازات العظيمة؟! وفي المقابل فحراكنا الإصلاحي رغم مرور عامين لم يثمر إلى الآن عن تنسيقية واحدة على مستوى الأردن تضم كل حراكات الوطن وتوحد أسماء الجمع وشكل الحراك وطريقته ومطالبه وبياناته واحتجاجاته، وتضمن استمراره وتطوير آلياته، والعجب يتخللني ويتخلل كثيرا من الناس عندما نرى دولا عربية تبعتنا في الحراك مؤخرا مثل العراق تستطيع خلال شهرين فقط ترتيب صفوفها وتوحيد جهودها في تنسيقية واحدة وتصيح كلها بصوت واحد ومطالب واحدة، وإذا سألت بعض القيادات والحراكيين في وطني لا يجد إلا الإجابة السحرية لديه أن لكل بلد ظروفه ومعطياته المختلفة.. ولكن.. هل نجحنا في اغتنام أخطاء النظام الكارثية وليس آخرها رفع الأسعار الجنوني في تشرين الثاني الماضي الذي أشعل انتفاضة شعبية حقيقية في كل البلاد لم نحسن إدارتها واغتنامها وإدامتها بالطريقة الصحيحية، لأننا لم نخطط لها أصلا التخطيط الصحيح وتعاملنا معها بعفوية مطلقة رغم علمنا المسبق بنية النظام الإقدام عليها منذ أشهر !!
وها هي الانتخابات الأخيرة ومهزلتها وردة الفعل الشعبية الغاضبة عليها هل أحسنا أو سنحسن استثمارها أم ستضيع كما ضاعت سابقاتها من الهدايا المجانية التي يعطينا إياها النظام يوما بعد يوم لكننا نفوت الفرصة تلو الفرصة ؟! أقول في الخلاصة لابد من عقد جلسات تقييم ومراجعة وعصف ذهني لوضع اليد على نقاط الضعف وأماكن الخلل، ولابتكار وسائل وطرق جديدة أكثر فعالية وتأثيرا وضغطا على النظام، ويجب أن لا ننسى ضرورة التواصل الشعبي المستمر حتى أثناء الحراك لتوضيح الفكرة للناس، واغتنام ارتفاع نسبة الوعي والإدراك الكبيرة لدى الشعب بما يحدث في وطننا من فساد وظلم واستبداد، بل وتشكيل فرق عمل تصل الليل بالنهار وتتواصل مع كل فئات المجتمع في قراه وبواديه ومخيماته ومدنه وأحيائه لتجمع الأنصار والمشاركين والدافعين بقوة لتحقيق الغايات، ولا بد من الخروج وبجدية بتنسيقية موحدة على مستوى الوطن تضم كل حراكات الوطن الشعبية وأحزابه وتنظيماته السياسية المستعدة للانخراط فيها لتنظم العمل وتؤطره وتضع له مراحل وخطوات واضحة المعالم، وتضع آليات للتعامل مع كل منعطف من المنعطفات المتوقعة في سياسة نظامنا في الأشهر القادمة والتي تلوح إرهاصاتها في الأفق ، أما إن بقي حراكنا على حاله هذه فلن نستفيد إلا انكفاء وانحسارا وتراجعا عن القدرة على إحداث التغيير المنشود، ونكون بذلك ... ممن يخالف سنة الله في التغيير والتي لن تجد لها تبديلا.