السهم يحتاج للرجوع إلى الوراء قليلا حتى ينطلق بقوة
النائب معتز أبو رمان
جو 24 :
رغم ما انتابنا من شعور رافض بكل حزم وعزم قرار الإدارة الأمريكية ممثلة بإعلان الرئيس ترامب عن ان الوقت قد حان لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونيته نقل سفارة بلادة اليها في وقت لم يحدده، الا ان ذلك الشعور سرعان ما أيقذ فينا سباتا طويلا كدنا ننسى فيه ان أطماع الكيان الصهيوني الغاصب لن تقف عند حدود ما أطلق عليه خطة السلام العادل والشامل وان قرارات مجلس الامن ومنظمة الأمم المتحدة والاتفاقيات الثنائية مثل وادي عربة او الدولية مثل اوسلوا، ما هي إلا جزء من البرنامج الصهيوني المرسوم بعناية لإماتة الانتفاضة وتقويض ركائز المقاومة والمساومة على العيش الأمن وبالتالي تشتيت البوصلة عن قضيتنا المركزية في سبيل جعل الاحتلال امرا واقعا ومقبولا فيه! وهذا بالتأكيد يحتاج الى كسب أكبر وقت ممكن لاستئناف المشروع الصهيوني..
قد لا استغرب قرار الرئيس الامريكي فهو معروف بأنه صاحب قرارات غير مسبوقة و قد تكون احادية المصلحة ، بالواقع هو يدفع فاتورة سابقة لليهود الذين ساهموا بوصوله الى الرئاسة ، و لا شك انه سيسعى لتجميل الصيغة النهائية للقرار حتى يخفف من الموجة العارمة للانتقادات المناوؤه له ، و هو يراهن على نفاذ قرارة مستغلا أمرين :
الأول هو حالة التشتت و الشرذمة و المتناحرة في العمق العربي - العربي و كذلك عدم وجود قيادة جامعة ومرجعية موحدة واراده جاده على مستوى الدول الإسلامية و بالأخص مع الفرقة السنية - الشيعية التي هيئت الظروف لا تخاذ القرار .
رغم وجود ردود فعل خطابيه من تلك الدول ؛ فهي موجه للشعب و لكن ليس بالضرورة أن تعكس السياسة الخارجية.
الثاني و هو الأهم النتائج التي خلص إليها مرحلة الربيع العربي و التي نبئت بها الأدارة الأمريكية السابقة بما عرف بالشرق الأوسط الجديد ، مما شكل حاجزا نفسيا لدى الشعوب و تغييب فكرة تحرير فلسطين عن المأمول ، فلو نظرنا إلى مصر مثلا و هي " حاضرة العروبة " سنجد أن ردود الفعل الشعبية خجولة و لا تتناسب مع قدسية الأقصى و مكانة القدس.!
هذا الحمل الكبير القى بثقله كلة على الاردن وحده قيادة وشعبا؛ فمن جهة تعتبر الاردن القلب النابض للقضية الفلسطينية والمفاوض الرئيس لإنشاء دولة فلسطين على أرضها وعاصمتها القدس ضمن حل عادل وسلام شامل؛ وهنا ستتحطم ازاء هذا القرار كل الأمال؛ ومن جهة أخرى فإن القيادة الهاشمية هي الميراث الحقيقي لرعاية شؤون المقدسات الإسلامية في القدس، وهذا بعد ديني وسياسي وجغرافي وشعبي لا يمكن التفريط فيه، و لا نقبل التنازع علية أو التفاوض به لأي جهة أخرى.
إذن إن عدم التسليم بالقرار الأمريكي هو أمر حتمي لا خيار فيه ؛ و هو يعني اننا بالضرورة نحتاج إلى إعادة بناء قواعد تفاوض متينه للاستناد عليها لاسترجاع الشرعية اولا ؛ وقد كانت الزيارة الحصيفة والحكيمة لجلالة الملك عبدالله لتركيا و التحضير للمؤتمر الاسلامي هي انطلاقة قوية للبناء عليها و سحب خيوط جديده بالبحث عن شركاء جدد جغرافيا و عقائديا و ليس عربيا" فحسب ؛ بالإضافة لاستغلال نظرة المجتمع الدولي غير المؤيد للقرار لخلق موقف مناهض على مستوى الدول و الشعوب ، و إن على الدبلوماسية الاردنية ان تعمل بكل طاقاتها و على جميع مستويات الدولة و غرفتيها التشريعية البرلمانية و التنفيذية الحكومية لكسب المواقف و الاعلام ؛ انطلاقا من أن قدسية القدس هي لكل الديانات السماوية بالإضافة إلى النظرة الإنسانية التي تجعل منها قاسم مشترك لكل شعوب الأرض و هذا ما يجب التركيز عليه ؛ و ان محاولة تهويد المدينة و الزج بها في الصراع هو قرار تنقصه التبريرات و خاطئ و ضعيف .
النظام الإسرائيلي يعي تماما ان الاردن ليس لقمة سائغة ، و انه لن يأمن بالراحة او الطمأنينة ما دام لم يستطع تحييد الموقف الاردني كما تم تحيد مواقف عربية آخرى ،و قد يرى في نهاية الضغوطات ان" الرجوع عن القرار هو الحل الأنسب ".
ختاما ان السهم يحتاج إلى الرجوع إلى الوراء قليلا" حتي ينطلق بقوه ؛ و هذا تماما ما يمر به الاردن و رسالتي أن على أبناء الشعب الاردني الوقوف صفا قويا مرصوصا خلف قيادته لأن قوة الموقف الخارجي يستند بالكامل الى وحدة الصف الداخلي و بنيانه الشعبي المرصوص.