ساتلوف، الحانوكاه، وكورش العربي، وهايلي وبن سلمان
د. حسن البراري
جو 24 :
يقول روبرت ساتلوف الذي أعرفه جيّدا وأعرف أنه لا يكذب في نقل المعلومات في مقال نشر له على موقع معهد واشنطن بأنه إلتقى مع الأمير محمد بن سلمان مؤخرا في الرياض وأن الأخير لم يتحدث عن القدس ولو بكلمة واحدة، ويضيف ساتلوف بأنه عندما سأل عن ملف القدس كانت اجابة محمد بن سلمان بأن قرار ترامب جاء مخيبا للآمال! ثم انتقل بن سلمان للحديث عن امكانية التعاون بين السعودية وإسرائيل. ساتلوف كان على رأس وفد من معهد واشنطن، اعضاؤه في الغالب من اليهود المتبرعين للمعهد والمؤيدين لإسرائيل، وولي العهد السعودي يعرف هذه الحقيقة لذلك اختار أن يبعث برسالة واضحة مفادها أن السعودية لا ترى في قرار ترامب عائقا أمام التفاهم مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في سبيل كبح جماح إيران!
وكلام وليّ العهد السعودي الذي لم يصل إلى حد الإدانة أو الشجب يعكس قراءة سعودية سطحية لمفاعيل الأزمات الاقليمية، فهو ما زال يرى بإسرائيل شريكا في قادم الأيام، ولذلك، لماذا نلوم سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي عندما سخرت من ردود فعل العرب ازاء قرار ترامب وظهرت على وسائل الاعلام الأمريكية قائلة أن السماء لم تنطبق على الأرض بعد قرار ترامب. فثمة استخفاف أمريكي بقدرة النظام العربي والانظمة العربية على الارتقاء لمستوى الحدث، لأنهم يظنون بأن الانظمة العربية ضعيفة ومعزولة عن الشارع وهي بحاجة لأمريكا أكثر من حاجة أمريكا لها.
وبلغ الاستخفاف بالعرب والأنظمة أن حضر الرئيس الأمريكي عيد الحانوكاه اليهودي، فالرئيس ترامب لم يحضر المناسبة حتى يبعث برسالة سلام ويحث الأطراف جميعا على التعايش بسلام وإنما جاء ليؤيد علنا السردية اليهودية للتاريخ وفي ذلك استفزاز من قبل زعيم أقوى دولة في العالم لمشاعر المليار ونصف المليار مسلم.
وفي كلمته التي ألقاها بتلك المناسبة، قال ترامب: "قصة معجزة حانوكا بدأت منذ أكثر من 2000 سنة، عندما كانت ممارسة الشعائر اليهودية يعاقب عليها بالموت. وقد انتفضت فرقة صغيرة من الوطنيين اليهود واستعادت هويتهم اليهودية عن طريق هزيمة جيش عظيم، وفي محاولة سعيهم لإعادة تشييد معبدهم المقدس، لم يجد الأبطال اليهود غير قليل من الزيت لإضاءة مصباح المعبد لليلة واحدة، ولكن وقعت معجزة، عندما استمر الزيت بنعمة من الله في الإضاءة لمدة 8 أيام". هذه هي الرواية اليهودية للقصة وواضح أن ترامب مقتنع تماما بها. وبالمناسبة يحتفل اليهود بعيد خانوكا لمدة 8 أيام، ويتراوح موعده بحسب التقويم الميلادي بين الأسبوع الأخير من نوفمبر والأسبوع الأخير من ديسمبر.
ترامب ونيكي هايلي وقطاع عريض من المسؤولين الامريكيين لا يقيمون وزنا للأنظمة العربية والمسلمة ولا يرون في الشارع العربي أكثر من ظاهرة صوتية وحناجر ملتهبة من سماتها أنها موسمية وتخبو بسرعة الضوء. والحقّ أن من يعزز هذا الانطباع عند الغرب عموما هي المواقف الضعيفة للأنظمة العربية وهو ما نقله بأمانة روبرت ساتلوف عبر لقائه مع الأمير محمد بن سلمان.
سيأتي شهر مارس القادم وسيحتفل اليهود بعيد المساخر (بوريم) وفيه يسخرون من هامان الفارسي الذي كان يريد الايقاع باليهود قبل أن تتمكن الجميلة ايستر -يهودية تزوجت الملك كورش- من الايقاع به وانقاذ اليهود من نهاية تراجيدية. والأرجح أن الرئيس ترامب سيحتفل معهم في عيد المساخر أيضا، وسيطرب لقراءة سفر ايستر وسيحدث ضوضاء وجلبة كلما ذكر هامان الفارسي، متناسيا هو واليهود المتصهينيين أن القهقهة والضجيج الذي استمر لسنوات طوال في عهد المغفّل كورش تبعه الاجتياح الروماني في العام 70 ميلادية الذي اجتثّ اليهود من جذورهم، وهدم هيكلهم المزعوم على رؤوسهم.
ترامب، هذا المغتال الأحمق لن يستوعب دروس التاريخ ولن يفهم حقيقة أن الاستعمار مهما طال ومهما تمتع بدعم خارجي فإنه في نهاية المطاف سيصبح نسيا منسيّا.
ربما وجد اليهود الملك كورش العربي لكن الفلسطينيين لن يكونوا هامان وحقهم لن يذهب هدراً، وبالتالي فليحتفل ترامب كما يشاء وليرتل ما طاب له من التوارة وليتعاون مع الملك كورش العربي، فقريبا سيتحرر العرب من استعمارهم الداخلي ويحملوا مشعل الحرية ورايات النصر.