2024-10-01 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

التآمر العربي

د. حسن البراري
جو 24 :
تخاذل الأنظمة العربية حيال ما يجري على أرض فلسطين أصبح أمراً من المسلمات، فلا يستطيع أحد أن ينكر حقيقة أن الأنظمة العربية تقارب الولايات المتحدة وفقا لأولويات رسمتها النخب الحاكمة، وهي أولويات بقاء بالدرجة الأولى ولا تصلح لتكون أساساً لمساعدة الشعب الفلسطيني في دحر الاحتلال والتصدي له. طبعا، الولايات المتحدة لا تقيم وزنا للأنظمة العربية، فهناك في واشنطن من يرى بأن هذه الأنظمة عاجزة عن فعل أي شيء وأنها أنظمة معزولة عن شعوبها وهي تحتاج الولايات المتحدة أكثر من حاجة الولايات المتحدة لها.

وكأن الرئيس ترامب كان ينتظر أن يقدم له العرب الشكر والعرفان على قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو للدقة ربما غرر به بعض العرب عندما كان صهره جاريد كوشنر يتوصل إلى تفاهمات معهم بأن القدس قضية – وفقا لتعبير وزير الخارجية البحريني – ثانوية. لذلك تفاجأ الرئيس ترامب من ردود فعل الجماهير العربية والقيادة الفلسطينية على وجه التحديد. فهو لا يفهم مثلا لماذا يتم رفض استقبال نائبه في الاراضي الفلسطينية ولا يفهم لماذا يرفض الفلسطينيون العودة إلى طاولة المفاوضات بعد قرار القدس!! وعليه فقد هدد مؤخرا بأن بلاده ستقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية.

هذا هو ترامب – حليف بعض العرب المعادين لإيران – الذي يريد أن يتوصل إلى ما أسماه "صفقة القرن" ليحصل على عوضا عن ذلك على صفعة القرن بعد هزيمته في الجمعية العامة بالأمم المتحدة. فبعد أن أوصل له الفلسطينيون رسالة قوية بأنهم غير آبهين به وبدور بلاده، بدأ بالتفكير بأن قطع المساعدات هو الوسيلة المثلى لاخضاع الفلسطينيين لمنطق الغطرسة. هنا أخطأ ترامب مرتين: الأولى، كان عليه أن يعلم بأن قطع المساعدات يعني وقف التنسيق الامني الفلسطيني مع إسرائيل وهذا بدوره يشكل تحديا أمنيا جديدا لإسرائيل لم تعتد عليه منذ اتفاق دايتون. والخطأ الثاني وفقا لجيرمي بن عامي – وهو يهودي امريكي يرأس منظمة جي ستريت – هو أن ترامب بهذا القرار يكون فقد الاهلية ليكون وسيطا على طاولة المفاوضات.

أختلف هنا قليلا مع جيرمي بن عامي إذ أن العودة لطاولة المفاوضات ما هو إلا إسم حركي يشير إلى خنوع الجانب الفلسطيني لمنطق القوة وليس لقوة المنطق، فالرئيس ترامب لم يخرق القانون الدولي فحسب بل زاد على ذلك عندما نسف وعن وعي تام مرجعيات السلام المتفق عليها سابقا بين كل الاطراف، وبالتالي فإن التهديد بقطع المساعدات ما هو إلا خطوة تصعيدية لدفن عملية السلام التي بدأ الجانب الإسرائيلي يتعامل مع نتائجها من الآن، فقبل أيام قليلة صوت حزب الليكود على ضم اجزاء من الضفة الغربية وصوت الكنيست الإسرائيلي على عدم اجراء مفاوضات حول القدس إلا بموافقة الثلثين ما يعني أن الاستعصاء الاسرائيلي وصل مرحلة المأسسة.

أمام هذا ماذا بوسع العرب أن يقوموا به؟ إذا قامت أمريكا بالفعل بقطع المساعدات فعلى الدول العربية الغنية أن تدفع للسلطة الفلسطينية كامل الحصة الامريكية، فلا يعقل أن يتم انفاق مئات المليارات على اسلحة وعلى جيوش مراسم بينما لا تدفع هذه الدول جزء بسيط جدا من ذلك لتمكين الفلسطينيين من الصمود في وجه الغطرسة الأمريكية المنفلتة من عقالها. فليس المطلوب تحريك الجيوش لتحرير فلسطين ولا تزويد الفلسطينيين بالسلاح، فقط القليل من المال يمكن أن يصنع الفارق. فهل يرتقي الطرف العربي الرسمي إلى مستوى التحدي أم يضيفوا فصلا آخر إلى سجل التخاذل والتآمر؟!
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير