الخبز واعتقال الصحافيين
جو 24 :
تامر خرمه – الليبرالية العرفية.. توليفة غريبة، تميز بها الأردن الرسمي، الذي يأبى حل المشكلات الناجمة عن تخبطاته الاقتصادية المنحازة ضد خبز الفقراء، ويصر على حماية مصالح طبقة اللوبيستير، مهما كلف الأمر.
نكتة سمجة تكمن في تلك المقاربة العجيبة: ليبرالية اقتصادية، مقابل ديكتاتورية سياسية- اجتماعية. الأنظمة التي تمادت في تطورها الرأسمالي، بررت ليبراليتها ونظام حكم السوق بديمقراطية نسبية، تتيح للمضطهدين اختيار مستغليهم، كما تضمن لهم حق الاحتجاج، عبر ما يدعى بحق حرية الرأي والتعبير.
ولكن عندما تصر دولة – كالأردن – على فرض وصايا الليبرالية الاقتصادية، دون موازنة ذلك بالحريات العامة، فإن هذا هو الترجمة الحرفية لمفردة الانتحار.
نعم – مع الأسف – الأردن ينتحر.. هذا ما أراده الساسة، والشعب البريء من قميص عثمان، لا يملك إلا السمع والطاعة، أملا بوهم يسميه جلاوزة السلطة ب " الأمن والأمان".
أيّ أمن يمكن ضمانه بعد مصادرة خبز الفقراء، وتكميم الأفواه، ومنع حتى الصحافيين، من كشف الحقائق للجماهير. عندما تكون مادة صحافية موجعة لأحد المسؤولين، فالخلل يتجلى بأكثر صوره وضوحا، ولا داعي عندئذٍ للإمعان بالتأويل.
المعضلة أن تضارب القوانين والأنظمة، التي تتيح لأي مسؤول في هذا البلد، المغلوب شعبه على أمره، استصدار إجراء يؤدي إلى حبس كل من ينتقد هذا "المسؤول"، قبل أن تصدر فتوى القضاء.
والنتيجة، فرض رقابة ذاتية على كل قلم.. اعتقال الصحافي قبل صدور حكم قضائي، لا يعني إلا تقويض السلطة الرابعة، وإرهاب العاملين في مهنة المتاعب، من أجل حماية مصالح أعداء الخبز، وأشقاء تلك المنظومة المشوهة، التي زاوجت بين ليبرالية السوق، وديكتاتورية السياسة.