أدوار برلمانية مشوهة
المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
لعل العجز المؤسسي الذي إنتاب السلطة التشريعة خلال الأعوام الماضية بات يلقي بظلالة على مفاصل العمل البرلماني ويؤدي الى خلق وإنتاج أدوار برلمانية هجينة ومشوهة لأليات العمل البرلماني، حيث نسمع بين الفينة والأخرى تصرفات وسلوك برلماني غريب خلال ممارسة الاختصاصات التشريعة والرقابية والدبلوماسية حتى، من خلال التلويح بتقديم الإستقالات الجماعية أو الفردية أو الامتناع عن المشاركة أو الانسحاب من اللجان أو عقد جلسات مؤائمات مع الحكومات أو جاهات برلمانية وغيرها من التصرفات المفتعلة.
المتباعة الدقيقة لعمل السلطة التشريعية كمؤسسة تتأكد لديه مجموعة من الحقائق التي باتت تعتور مسار البناء المؤسسي البرلماني وبات الكسل الفكري والمؤسسي سيد الموقف، اذ لم تشكل المؤسسة التشريعية رافعة وطنية من روافع العمل المؤسسي بل وتنوء عن القيام أو حمل الأدوار الرئيسة لوجودها.
التشخيص الدقيق والتحليل العلمي يشير الى أن الكيانات المؤسسية العاملة داخل أروقة مجلس النواب من لجان وكتل ومكاتب وغيرها تعاني من حالة ضعف وهشاشة عميقة ولم تشكل رافد معرفياً وفكرياً للنواب خلال ممارسة أعمالهم، هذا من جهة، والخلفية الفكرية والثقافية والسياسية إن وجدت التي ينتمي لها النواب لم تلق الحواضن المؤسسية الصالحة لمراكمة ممارسات برلمانية ايجابية بل كانت الاستجابات الانفعالية والتصرفات ذات الطابع الشخصي هي سيد الموقف من جهة أخرى.
إبان إستيقاض حركة الوعي الوطني تجاه أهمية إعادة بناء دور السلطة التشريعية وتمكينها من القدرة على تمثيل الشعب وإعادة رسم ملامح العلاقة مع السلطة التنفيذية على معايير وأسس دستورية قائمة على الفصل المرن بينهما مع التعاون ضمن ضوابط النظام النيابي البرلماني ليشكل مجلس النواب محرك الانتاج الحقيقي والوطني للحكومات بناء على عمل برامجي موضوعي واضح المعالم والأسس ضمن عناصر وأركان النظام النيابي البرلماني التي تشير الى أغلبية برلمانية إما حزبية أو ائتلاف حزبي يؤدي التشاور معه الى تشكيل حكومة، وأقلية برلمانية تمارس أدواراً رقابية موضوعية تسعى لتحقيق الصالح العام من خلال تقديم وجهة النظر الاخرى، والفصل بينهما يتم من خلال جمهور المواطنين والاكثر تحقيقاً لمصلحة الوطن والمواطن في إطار دورية غنتخابات وفقاً لقانون انتخاب يحقق التمثيل العادل.
إخفاق مؤسسي كبير، للأسف لم تستطع السلطة التشريعية أن تحقق على ميزان الموضوعية أي من هذه الأبعاد بل ولم تسلك أي درباً مؤسسية يشير الى إرادة مؤسسية لديها القدرة والرغبة حيال ذلك، وتعمقت حالة عدم الثقة الى أقصى درجاتها الى وصلت الى حالة من القنوط الوطني.
الورقة النقاشية الثالثة، أشارت الى محددات وأطر عامة ورسمت معالم المرحلة وطبيعة الأدوار التي يمكن أن تلعبها كل سلطة من سلطات الدولة بل وناقشت بعمق محطات الإنجاز المؤسسي، الا أن مصدر صنع العمليات البرلمانية والخطط والسياسات والاستراتيجيات - إن وجدت- لم يستطع أن يحمل على عاتقة هذا المشروع الوطني ويحدث التغيير المنشود.
العمل البرلماني الفردي، لا يزال يسيطر على مشهد العمل البرلماني الفردي والذي وفقاً للتجارب العالمية أحد أهم عوامل الفشل المؤسسي التي تؤدي الى عدم قدرة السلطة التشريعية على ممارسة أو حتى لعب أدوارها بشكل مؤسسي ووطني، وتسود في مثل هذه الحالة ظواهر عدة مثل الفساد السياسي والتوافقات المصلحية الفردية مع الحكومات وانتشار الممارسات والمطالبات الخدمية على حساب الاصلاحات التشريعية وممارسة أدوات رقابية وطنية، وتغدو اولوية النائب عدم فقدان العلاقة مع الحكومة على أساسا المصالح المتبادلة.
حالة الإصلاح ضرورة وطنية، كل ذلك لا ينفي أن إصلاح عمل السلطة التشريعية ضرورة وطنية لا مناص منها، ونقطة البدء في ذلك نظام داخلي قوي العناصر والأركان يعيد انتاج الهياكل المؤسسية البرلمانية بالإستناد الى أفضل الممارسات البرلمانية العالمية واستقلال مالي واداري لتشكل خطة أولى نحو لناء أمانة عامة قوية وقادرة على النهوض بأدوارها المؤسسية وتقديم الدعم الفني والعلمي والفكري والادراي المستند الى معايير موضوعية الى النواب، لتشكل بذلك حاضنة العمل المؤسسية وأيقونة العمل البرلماني، اذ بعكس ذلك تسيطر الفوضى على العمل البرلمان، فضلاً عن مماسرة وإستحداث أدوار مشوهة.