ذكرى الشهيد تصنع ابتسامة
بمجرد أن وعيت وأنا أجد حزنا يختلط مع قدر كبير من الحنان الذي تحتضنني فيه جدتي لأمي، لكنني لم أفهم في البداية لماذا هذا الحزن، حتى علمت في سنتي الدراسية الاولى أن ولدها «علي موسى علي الفريحات» البالغ من العمر 20 عاما والملتحق في» سلاح المدفعية» كان من بين شهداء معركة الكرامة الخالدة.
لكن بمجرد سؤالها عن «علي» تبتسم جدتي، وتعيد على مسامع محدثها تفاصيل اليوم الذي غادر فيه جندي المدفعية منزل والديه للالتحاق بموقعه في منطقة العارضة، وتسترسل كما أي أم بالحديث عن شعورها واحساسها بانها ترى «علي» للمرة الأخيرة، وتقول همّ «علي» بالمغادرة «وكأنه يعلم بأنه سينال الشهادة، وودعني للمرة الأخيرة».
ظلت جدتي التي غادرت الى رحمة الله قبل سنوات، بعد أن تجاوزت التسعين عاما من العمر، تردد ذات القصة عند سؤالها عن «علي»، ولم تكن تبتسم ابتسامة حقيقية الا عندما يذكر اسمه، فبقيت اسألها في طفولتي عنه كلما أراها لان ابتسامتها ارتبطت في مخيلتي بذكرى الشهيد، فأدركت ان للشهيد ذكرى عطرة تسعد كل من كان بقربه وكل من يسمع عنه.
شهداء معركة الكرامة، سطروا بطولة حقيقية، وضحوا بارواحهم في سبيل الدفاع عن وطنهم الى جانب الابطال ممن استبسلوا بالدفاع عن أرض الاردن وما زال بعضهم بين ظهرانينا يروي قصة المجد، وما زلنا نسمع في كل مرة منهم عن تفاصيل تؤكد على استبسال قواتنا المسلحة الاردنية في الذود عن الوطن، وبذل افرادها ارواحهم حتى يبقى الوطن آمنا.
يقضي الشهداء لكن ذكراهم لا تموت، تبقى خالدة خلود بطولاتهم التي سطروها في معركة الكرامة، معركة دللت بكل المقاييس على بسالة وشجاعة القوات المسلحة الاردنية في حربها ذات الساعات الست عشرة مع جيش الاحتلال الاسرائيلي في 21 أذار 1968، نعم هي ساعات لكنها قضت على غرور جيش محتل تمكن قبل عام من «الكرامة» من الحاق هزيمة بجيوش عربية مجتمعة.
ويسجل للقيادة العامة للقوات المسلحة احياؤها لذكرى معركة الكرامة في كل عام، وتكريمها للشهداء وذويهم، تقديرا لارواحهم التي بذلوها في الدفاع عن الوطن، وايمانا منها بان الكرامة ليست مجرد معركة، وانما هي ملحمة تؤكد صمود الشعب الاردني في وجه اي تهديد، واستعداده لبذل ارواح ابنائه للدفاع عن وطنه.
تلك الأرواح التي بذلها منتسبو القوات المسلحة الاردنية (الجيش العربي) في سبيل الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه، يجب ان تبقى حية بين الاردنيين، فالجميع ينُسى الا الشهيد، والبطولات التي سطرت في تلك المعركة أيضا يجب ان لا تنسى، لذلك علينا دوما ان نحيي هذه الذكرى على الأقل بالكلمة، فذكرى الشهيد هي من يصنع الابتسامة.