قانون المسؤولية الطبية مطلب شعبي
مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي شرع مجلس النواب بمناقشته أخيرا بعد سنوات من المطالبات الشعبية باقراره، يواجه بمقاومة شرسة من نقابة الأطباء التي تحاول حشد باقي النقابات الطبية الى جانبها كونها من «مقدمي الخدمة»، وتلوح النقابة بالتصعيد اذا لم يأخذ مجلس النواب «بشروطها» حول مشروع القانون.
ويعتبر نقيب الأطباء علي العبوس أن مشروع القانون يتعمد «تسليع مهنة الطب، ويحيل المهنة الانسانية القائمة على التشارك والتراحم الى تسليع تجاري وعلاقة شكوك وخصومة»، واتسعت دائرة «شروط» النقابة مؤخرا لتعبر عن موقفها الواضح برفض «القانون» من المبدأ.
يجب أن تعي نقابة الأطباء أن مثل هذا القانون هو مطلب شعبي منذ عقدين ويؤخذ على الحكومة تأخير صدوره حتى الأن، كون القطاع الطبي كغيره من القطاعات في الأردن بحاجة الى تنظيم، ولا يحق لها رفض القانون بمجمله أو فرض «شروطها» وانما إبداء ملاحظات يمكن أن تناقش في غرف التشريع ويتم الأخذ بها اذا كانت تراعي حقوق الطبيب والمريض معا.
أعتقد أن مشروع القانون لم «يسلّع» مهنة الطب بل أن هناك بعض الأطباء هم «سلّعوا» المهنة، عندما يتقاضى أحدهم 50 دينارا ثمن كشفية، وعندما ترفض مستشفى إدخال حالة طارئة قبل دفع مبلغ «تحت الحساب»، وعندما يتم توظيف أطباء برواتب ضعيفة في مستشفيات يملكها زملاؤهم، لكن مقابل هؤلاء تجد أيضا أطباء يسخّرون وقتهم وجهدهم وعياداتهم لخدمة من لا يقدر على تسديد تكلفة العلاج.
أما الأخطاء الطبية، فهي أمر واقع ولا يمكن أن ينكره أحد بمن فيهم نقابة الأطباء التي تتلقى شكاوى من مرضى بتعرضهم لأخطاء طبية، وتدرك النقابة مدى الصعوبات التي يواجهها المريض في اثبات تعرضه لخطأ طبي، خاصة عندما يحدث الخطأ على أسرة العمليات الجراحية، وهناك قضايا عديدة مرتبطة بشبهة أخطاء طبية مسجلة أمام القضاء الأردني.
يجب أن تتفهم نقابة الأطباء أيضا وجهة نظر المريض، فالقانون لا يتعلق بالأطباء فقط، فهناك الطرف الأخر الذي لديه ما يقوله أيضا، فالمريض ليس بصراع مع الطبيب أو العكس، فأصل العلاقة بينهما يجب أن تقوم على الإنسانية وليس أي شيء أخر، لكن الإنسانية اختلت خلال السنوات الماضية بتعامل بعض الأطباء مع المريض على أنه «زبون» والطبيب «مقدم خدمة»، وما دام «الزبون» هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة فانه يحتاج لقانون يضمن حقه.
لطالما تعثر اصدار هذا القانون بسبب ضغوطات تمارس، لكن أجد من الصعب حاليا أن تنجح الضغوطات في ثني الحكومة ومجلس النواب عن اصدار مثل هذا التشريع المهم الذي يضمن ايجاد معادلة تراعي حقوق الطبيب قبل المريض، ذلك ان حسن التطبيق سيمنح المريض القدرة على فرز الطبيب والمركز والمستشفى والمختبر الجيدين عن غيرهم من «مقدمي الخدمة».
القانون لا يتعلق بالأطباء فقط فهم جزء منه ولهم رأيهم فيه الذي يحترم ، لكن للقانون مساس أكبر بالمواطن حيث تضمن ايجابيات كثيرة تنظم الجسم الطبي وعلاقة المريض بالطبيب والعكس، أهمها منع اجراء عمليات «تغيير الجنس» وإجازة عمليات «تصحيح الجنس» الى جانب رفض الاستنساخ، وبنود ايجابية كثيرة أخرى كان لا بد من تأطيرها بقانون في ظل تطور القطاع الطبي الأردني.