تجارب وزراء التربية
لو سألني شخص عن النظام التعليمي في الاردن وعلى الأخص اجراءات وشروط شهادة الدراسة الثانوية العامة، فلا استطيع أن أجيبه، بسبب التغييرات الكثيرة والمتلاحقة على النظام التعليمي في الاردن التي ارتبطت بـ»شخصية» وزراء التربية والتعليمة ليس أكثر، ولم تكن نابعة من دراسة معمقة وكافية للقرارات المتخذة.
هل يمكن أن يرتبط نظام التعليم في بلد بطريقة تفكير شخص واحد؟ كيف يمكن صياغة برامج تعليمية تنبع من تعليمات يصدرها شخص واحد أيضا؟ هل تتغير السياسية التعليمية بمجرد تغيير الشخص الأول في وزارة التربية والتعليم؟، من المنطق الاجابة على هذه الاسئلة بلا، الا انه للأسف ما يحدث في الاردن يدفعنا الى الاجابة بنعم.
من الغريب أن ترتبط المسيرة التعليمية من الصفوف الابتدائية وحتى نهاية المرحلة المدرسية (الثانوية العامة)، بأفكار وزير التربية والتعليم وما يؤمن به مع احترامي لكل وزير منهم، الا أن أي نظام تعليمي لا يمكن نهائيا ربطه بقرار وزير بل يجب ان يكون النظام التعليمي راسخا رسوخ دساتير البلاد، وأي تغيير فيه يجب ان يقر من مجلس تعليمي وتربوي يكون ممثلا لاطراف العملية التعليمية كافة بمن فيهم الأهالي.
لنأخذ مثالا امتحان شهادة الثانوية العامة واجراءاته، فكل وزير تربية وتعليم قادم يتخذ جملة قرارات تغييرية مناقضة تماما لسلفه من وزراء التربية والتعليم في هذا الصدد، فمنهم من يتشدد في تلك الاجراءات ومنهم من يتساهل فيها، وأخر يسر بأهمية الغاء مثل هذه الشهادة لعدم قدرتها على تقييم الطلبة بشكل حقيقي، وللأسف كل هذه الافكار فردية الا انها تنسحب على العملية التعليمية برمتها، وهو أمر خطير.
منذ بداية الالفية الثالثة بدأنا نشهد حديثا متسارعا حول اعادة النظر بالنظام التعليمي في الاردن، رغم جودة المخرجات التي استطاع تحقيقها على مدى عقود خلت، وحاول بعض الوزراء اجراء تغييرات كثيرة ومتعددة وخاصة حيال امتحان التوجيهي، الا ان التغييرات انطلقت من دوافع وافكار شخصية لم تثبت صحتها نهائيا، وليس ادل على ذلك من قيام أي وزير بنسف ما أقره سابقوه من الوزراء. عدم استقرار النظام التعليمي في الاردن واضح وجلي، شأنه شأن قطاعات كثيرة في الاردن تعاني من عدم استقرار تشريعي أو تخبط تشريعي أحيانا، وليس من المعقول اننا لم نجد حتى الان نظاما تعليميا مناسبا لطبيعة الطالب الاردني رغم توفر تجارب عالمية أثبتت نجاحها، وما زلنا مصرين على التنقل بين هذه الافكار وتلك ولم نحسم أي شيء بعد، الى درجة وقبل سنوات خلت تم اجراء تغيير جذري ومفاجيء على امتحان «التوجيهي» خلال عام واحد دون اي خطوات تمهيدية «لان معاليه مصر على القرار» الذي ثبت فشله لاحقا.
البنك الدولي يقدم للحكومة حديثا مبلغ 200 مليون دولار ثلاثة أرباعه قرض ميسر والباقي منحة، لما يسمى برنامج «دعم إصلاح التعليم في الأردن»، بعد مضي أكثر من عقدين على محاولات اصلاح التعليم. ورغم هذه «المحاولات» الا اننا ما زلنا نرى أطفالا في المدارس دون تدفئة خلال فصل الشتاء، ومدارس اخرى دون تجهيزات وبنية تحتية تعليمية من مختبرات واجهزة حاسوب، وخطط دراسية تركز على المناهج العلمية وتغفل الجوانب التربوية الاخرى من تعليم رياضة وموسيقى وفنون، ناهيك عن تراجع أوضاع المعلم المادية التي انعكست على ادائه خلال السنوات الاخيرة.
نتمنى أن يستغل هذا المبلغ في احداث اصلاح حقيقي على العملية التعليمية في الأردن، وعدم اهداره في تجارب وزراء التربية المتلاحقين.