مواقف الدولة الاردنية الأقرب إلى نبض الشارع العربي..
د. حسن البراري
جو 24 :
* الأردن يمثل البوصلة الاخلاقية فيما يتعلق بالمقوف من قضية فلسطين
* المساعدات الأمريكية السخية لم تدفع الأردن على مباركة العدوان
تكشف التحركات الأخيرة التي يقودها الملك عبدالله الثاني شخصيا عن رؤية استراتيجية عميقة تتجاوز المناكفات العربية والصراعات الدونكوشيتيه التي أضعفت العمل العربي المشترك بعد أن اختلط الأمر على بعض القادة ودفعهم لخيارات لم تعد تجدي نفعا.
بهدوء تام، رسخ الأردن نهجا يسمح له بتعظيم مكاسبه ، مع المحافظة على هويته القومية والوطنية ومبادئه وثوابته واولوياته ، بمعنى انه نجح في المحافظة على حالة عروبية تعترف على الأٌقل بأولويات المرحلة وبمصدر الخطر الرئيسي الذي يتهدد الإقليم.
تحركات الأردن لم تكن صدامية كما أرادها البعض، فالأردن يتفهم حساسية الأشقاء ورؤيتهم الخاصة بمصادر التهديد التي تواجه بلدانهم، ففي نهاية الأمر نحن نعيش في دول وطنية مختلفة، لها سياسات خارجية متباينة، وتعرّف مصالحها بشكل مختلف ، وهذا أمر مشروع يتفهمه الشارع العربي ، إذ أن التماثل في الموت فقط ، كما قال مهدي عامل.
الاردن في القمة العربية كان تركيزه منصبا على قضية واحدة وهي قضية فلسطين . فمرة أخرى يثبت الاردن بقيادة الملك عبدالله الثاني فعلا وليس قولا بأنه يمثل البوصلة الأخلاقية فيما يتعلق بالموقف العربي من قضية فلسطين.
بالأمس، التقيت بأحد المسؤولين الأمريكيين الهامين وناقشنا جملة التطورات في الإقليم، غير أن ما لفت انتباهي في حديث الرجل هو الرصد الأمريكي للشارع العربي، وهو شارع يعتبره المسؤول الامريكي غير هام بالنسبة لأمريكا! ويقول صاحبنا بأن القضية الفلسطينية لم تعد مركزية وأن هناك جزءا هاما من الشارع العربي لا يعتبرها كذلك، والمتابع لتغريدات بعض الإعلاميين العرب المتربطين مع دول بعينها قد يصاب بالدوار من حديثهم عن "العداء" للفلسطينيين وقضيتهم. وبهذا المعنى فإن كلمة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية التي حملت اسم القدس جاءت لتذّكر القاصي والداني بأن القضية الفلسطينية ما زالت وستظل الاولوية والقضية الاكثر الحاحا وجوهر الصراع مع الغرب المنحاز للاحتلال .
ينبغي أن نعترف بأن الرياض تمر بمرحلة غير معهودة بعد انهيار موازين القوى الاقليمية وتراجع الالتزام الأمريكي بأمن الخليج، لذلك يحق لها أن تُعرف مصادر التهديد بشكل مختلف، لكنها ومع ذلك انحازت الى الموقف الأردني في التأكيد على الوصاية الأردنية على المقدسات وقامت بالفعل بتقديم مساعدات للأوقاف في القدس بمبلغ 150 مليون دولار، وهذا يسجل للسعودية لا عليها. لكن أيضا لم يأت التأييد للموقف الأردني إلا نتيجة لصلابة المقاربة الاردنية وانحيازها التام لصالح القضية الفلسطينية.
كثر هم الذين قللوا من شأن الأردن ، وكثر اولئك الذين اشبعوننا تنظيراً بأن الأردن لا يمتلك الكثير من الأوراق في الإقليم، لكن موقف القمة العربية يثبت مرة أخرى بأن الأردن فعلا قادر على ادارة دفعة الاحداث ،وتذكير العرب والعالم بان هناك ثوابت ومبادئ ،وبان هناك حقوق لا يجوز التفريط بها والمساومة عليها ..
استقلالية الموقف الأردني لم تظهر فقط في القمة العربية وإنما في الكثير من الأزمات المختلف عليها إقليميا، فالاعتداء الأمريكي البريطاني الفرنسي الذي لاقى ترحيبا كبيرا من أكبر الدول وعلى رأسها تركيا والسعودية لم يباركه ويحتفي به الأردن كما فعل البعض للاسف ، إذ أكد الأردن الرسمي على أن لا حل إلا الحل السياسي لهذه الأزمة، فتوقيع مذكرة مساعدات أمريكية تجاوزت الست مليارات دولار لم تجعل من الأردن الرسمي خانعا بل عبر عن موقف هو أقرب ما يكون إلى ضمير الشارع العربي منه إلى أي شيء آخر.