صمت عربي عام غريب ومريب وغير مبرر
محمد خضر قرش
جو 24 : المتتبع والراصد لما يجري في الوطن العربي بما في ذلك اثناء وخلال وبعد العدوان الثلاثي الغاشم على سوريا العرب، لا يلمس ولا يشاهد أية جدية في مواقف وردود أفعال المسؤولين وقطاعات واسعة من الشارع على اختلاف علاقاتهم مع الدول للدول المعتدية أو عما يفعله مرتزقة المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا والصومال واليمن وصحراء سيناء وغيرها من الدول العربية، والتي تدعي جميعها زورا وبهتانا بانها تنتمي للعروبة وللدين الإسلامي. وبنفس القدر فإن المواطن يشاهد ويلمس باستغراب وتعجب كبيرين لهذا الصمت العربي الرسمي المطبق والمريب على كل ما يجري ويدور في الأرض العربية وفلسطين في مقدمتها. لقد ضحى الإباء والاجداد بدمائهم الزكية من أجل ان تبقى الأرض عربية نقية طاهرة. لذا فمن حق كل عربي أن يطلب تفسيرا أو توضيحا أو تبريرا لهذا الصمت القاتل والمشبوه والمريب وغير المبرر وغير المفسر والغريب لما يجري فوق أرضه وسمائه وبحره ونهره مما يتوجب وضع علامات استفهام حمراء كثيرة حوله. فلم نقرأ حتى تاريخه مبررا واحدا من الأنظمة الحاكمة بما فيها الأحزاب والفصائل والحركات عن أسباب هذا الصمت المطبق لما يجري في أرضنا العربية. فالكثير منها يصدر بيانات شجب واستنكار للعمليات التي تتم في شوارع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بل ان العديد من الحكام يهرولون مسرعين إلى تلك العواصم ويتصدرون صفوف المسيرات المستنكرة بغرض المواساة والتضامن معها. علما بان ما يتم في عواصمنا ومدننا ومخيماتنا العربية ليس أكثر بشاعة وفظاعة وارهابا وسفكا للدماء وبطشا وظلما وقتلا ووأدا لحياة الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء فحسب بل ويعيثوا في الأرض تخريبا وتدميرا ونسفا وفتكا وهدما للمنازل والمؤسسات والأسواق والمدن والتاريخ والاثار ولكل ما يمت للحضارة الإنسانية بصلة. ورغم كل ما يجري منذ 7 سنوات لم نسمع أو نشاهد أو نرى أو نلمس أي فعل صادق لاجتماع أو تجمع عربي حقيقي بغرض وضع حد للإرهاب الذي اتسع وتفشى كالسرطان في الجسم العربي. ولم تكتفِ الأنظمة العربية وخاصة الغنية منها بتجاهل ما يجري بل وتقوم بتمويل وتسليح المنظمات الإرهابية. وحقيقة الأمر أن أنظمة الصمت العربي تفعل كل ذلك عن عمد وليس عن جهل أو عدم إدراك للمخاطر المتأتية على صمتها وسكوتها بل وتساوقها ودعمها للمنظمات الإرهابية لتحقيق أهدافها الشريرة. وطبقا لما يجري في أجزاء غالية من وطننا العربي فإن الأهداف لم تعد مخفية على أحد وخاصة بعد الدعم والمساندة العلنية من قبل اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا. ولم تعد المأساة فيما يحصل ويشاهد وإنما فيما يخطط له حاليا في عواصم عربية عدة لاستكمال عمليات التقسيم وتجزئة الأقطار العربية حيث يصبح من المستحيل توحيد الدولة الواحدة وفقا لما ذكره رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون ياريف حينما سلم مهامه عام 2012. وما يضع علامات استفهام إضافية هو صمت وسكوت منظمات المجتمع المدني الممولة معظمها من دول العدوان الثلاثي. فقد أغلقت افواهها وأغمضت عيونها ووسائل اعلامها عما يحدث خشية من وقف المساعدات والتحويلات المالية إليها. وهذا من نبهنا إليه مرات كثيرة وحذرنا من تأثيرها السلبي على صلابة وبنية المجتمع العربي. فالمنظمات غير الحكومية غير معنية بما يجري وكأن الدولة التي يعتدي عليها وتدمر بنيتها الاقتصادية والتراثية والحضارية ليست سوريا العربية او العراق او ليبيا أو الصومال أو اليمن. وقبل هذه وتلك فلسطين وفي القلب منها القدس. فإذا كانت الأنظمة العربية لا تستطيع أن تتخذ أي موقف فإن الأحزاب والمنظمات غير الحكومية لا يوجد لديها أي تبرير لعدم نزولها الى الشارع والاحتجاج الفعلي القوي والمؤثر والفعال إزاء ما يتم فوق الأرض العربية. بل أن بعض الأحزاب والمنظمات غير الحكومية المشكوك في ولائها ووطنيتها وعروبتها واسلامها ما زالت تتفوه بعبارات وتُصدر تصريحات تحمل الأنظمة العربية وخاصة السوري تبعات كل ما يجري وتعتبره ديكتاتوريا وفاسدا ومستبدا وكأنها تريد ان تقول بأن بقية الأنظمة تتمتع بالنزاهة والشفافية والديمقراطية وخالية من الفساد ولا تمارس الاستبداد ابدا؟ فبعض الأنظمة التي مولت وما زالت كل عمليات الإرهاب يضيق صدرها بقصيدة من عدة ابيات القاها شاعر كان عقابه السجن 15 عاما. فهذه الأنظمة الرسمية لم تقبل يوما قيام أي فرد أو مجموعة تحمل السلاح وتقاتل خارج القنوات الشرعية من شرطة وجيش أو وخارج سيطرة الدولة والغالبية العظمى منها ليس لديها مجلسا تشريعيا أو نيابيا منتخبا، فالحكم والسلطة فيها للعائلة والفرد. فمن يتفهم أو يسكت عن العدوان الثلاثي على سوريا ويبرر دعم وتمويل المجموعات الارهابية الموجودة فوق أرضها بدكتاتورية واستبداد النظام فيها يكون كمن يريد ان يجاكر أو يغيظ حاله ففعلها على نفسه. الدول العربية تكاد تخلو من نظام يتميز بالممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، وعليه فلا يوجد نظاما عربيا واحدا لا يمارس الدكتاتورية والاستبداد وأن وجد فليلقي على سوريا بحجر؟ وختاما نقول لقد حذرنا من سقوط العراق وقلنا حينها لسوريا ومصر وليبيا وغيرها بأنها أُكلت يوم أُكل الثور الأسود فالقضية ليست لحماية الدكتاتور صدام وإنما لتقسيم العراق وإخراجه من ساحة الصراع. فسكوت هذه الأنظمة عما جرى في العراق بل ومشاركة بعضها في احتلاله كان أحد الأسباب وراء استمرار سقوطها كأحجار الديمنو واحد إثر أخر. نحن لا ندافع عن الطغاة ولكن لحماية الأرض العربية هذا هو الهدف والغاية والمقصد. وللأسف فإن مصالح الأنظمة الغنية تلاقت مع المخططات الأميركية والإسرائيلية لتقسيم وتجزئة الوطن العربي وتدمير أعمدته الرئيسة كمصر والعراق وسوريا والتخلي عن فلسطين والقدس. فإذا اعتقدت الأنظمة الغنية بأنها ستكون في مأمن من رياح الإطاحة والتغيير فستكون واهمة وأكثر من غبية، فهي ستصبح أضعف وأوهن من أن تقول لا للمصالح الغربية والإسرائيلية بالذات. فالبوادر بدأت تتضح وتظهر جليا من الان سواء لجهة التطبيع المبكر المجاني أو التحالف معها لمحاربة ما يطلقون عليه المد الإيراني الفارسي ؟؟ الخاسر الأكبر من كل ما يجري هو الوطن العربي ومستقبله.