ثقافة التطبيع سوسة خبيثة تنخر في دماغ اشباه المثقفين وادعياء الوطنية
محمد خضر قرش
جو 24 :
يُبرر المُطبعون انزلاقهم التدريجي نحو هاوية الاستسلام والخنوع بعبارة "ان زيارة السجين لا تعني التصالح والتسامح او التطبيع مع السجان المحتل الغاصب". فهذه العبارة التي قيلت حصرا في موضوع الأسرى في سجون الاحتلال، قد أخرجها أشباه المثقفين من سياقها ومضمونها ومعناها تماما وأخذوها بعيدا عن مقاصدها وأغراضها وعن المناسبة أو الظرف الذي قيلت فيه. فقد اتضح قيام اشباه المثقفين وأدعياء الوطنية باستغلال هذه العبارة لأغراض في نفوسهم المريضة والضعيفة البائسة، والتي تنم عن اهداف لئيمة غير وطنية بالتأكيد. لقد اتسع نطاق وجغرافية وفضاء تبرير استخدامها لتشمل كل جوانب العمل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والعلمي والتسويقي وحتى الفني. فبات حضور مؤتمر هرتسيليا السنوي على سبيل المثال يُبرر تحت يافطة "علينا طرح مواقفنا في كل المنصات والمناسبات والا نترك وسيلة اتصال مع شرائح وفئات المجتمع الإسرائيلي، دون الذهاب اليها وإسماعهم رأينا والقيام بها لشرح الموقف الفلسطيني!!! وكأن مغتصب الأرض معني بسماع رأي الضحية (أصحاب الأرض) التي يفتك بها ليلا ونهارا مع سبق الإصرار والترصد منذ صدور وعد بلفور غير عابئ بالقوانين الدولية والانسانية. كما باتت مشاركة شركات تكنولوجيا المعلومات الفلسطينية في معارض مثيلاتها الإسرائيلية ضرورية وهامة للاطلاع على التطور الذي تم في هذا القطاع، للاستفادة والتعلم منه بغرض تطويره في فلسطين، وكأن تكنولوجيا المعلومات غير موجودة في أي بقعة بالأرض سوى في تل ابيب؟ وبات تبرير قيام وفد رسمي من وكيل وزير العمل والأمين العام لاتحاد عمال فلسطين ومدير مركز القدس للمساعدة القانونية بحضور مؤتمر الهستدروت الإسرائيلي الذي عقد أخيرا بغرض كما قالوا "تحصيل مستحقات العمال الفلسطينيين الذين عملوا ومازالوا في المشاريع والمستوطنات الإسرائيلية والمقدرة بنحو 10 مليارات دولار منذ عام 1970"، علما بان هذا الموضوع طرح في اتفاقية الحكم الذاتي وتمت الإشارة إليه في اتفاقية باريس الاقتصادية ووضعت شروط قاسية ومجحفة لإتمام تحويل المستحقات ووافق عليه المفاوض الفلسطيني حينما وقع عليه. كما بُرر تعيين عضوا من اللجنة المركزية لحركة فتح للاتصال المباشر بشرائح وشخصيات وأحزاب إسرائيلية للتأثير عليهم لمعارضة السياسات اليمينية العنصرية التي اتبعتها كل الحكومات الإسرائيلية والتي باتت بمثابة مؤسسة فلسطينية قائمة بذاتها لا اعلم حقيقة أبرز المنجزات التي استطاعت تحقيقها في هذا المجال. فكل ما نشاهده ونلمسه بعد أكثر من عقد على هذا التعيين أن المجتمع الإسرائيلي ككل يتجه وبخطوات متسارعة وثابتة نحو اليمين والعنصرية والتطرف مترافقا مع تعاظم درجة الكره والحقد لكل ما هو فلسطيني. كما أضحت مقاطعة المنتجات الإسرائيلية غير مؤثرة وغير ذات جدوى لعدم وجود بديل لها!!! أو لكونها غير عملية. والمشكلة المضحكة المبكية هنا، والتي تبقى بدون تفسير هي" ان منظمة التحرير ومؤسساتها وفي مقدمتها السفراء والسلطة الوطنية بكافة أجهزتها تطالب العالم بمقاطعة منتجات المستوطنات ومقاطعة إسرائيل أكاديميا وثقافيا وعلميا"، في الوقت الذي يوجد لدينا وكلاء فلسطينيين رسميين ومعروفين ومن عالية القوم، يقومون بتسويق المنتجات الإسرائيلية سواء المنتجة في المستوطنات أو غيرها. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل انهم يتبجحون ويقولون بعدم صدور قرار رسمي فلسطيني بالمقاطعة الاقتصادية وحين صدوره سنلتزم به !!!! فالذين حضروا مؤتمر الهستدروت تم تصويرهم علنا في كافة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي كالصحف ومحطات التلفزة الإسرائيلية وتم بثها للعالم اجمع للقول لهم وبالصوت والصورة " ها هم الفلسطينيون يشاركون ويحضرون مؤتمراتنا ومعارضنا ". لقد اضرَ حضور الوفد الفلسطيني لمؤتمر الهستدروت بالنضالات الفلسطينية في كافة المجالات وأضعف من الحجج ووجهة النظر الفلسطينية بشأن ضرورة وأهمية مقاطعة إسرائيل دوليا وإقليميا. كما تتعالى في هذه الأوقات بعض الأصوات النشاز والمفلسة والبائسة والعاجزة لتبرير المشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال على قاعدة ان وصول بعض الاشخاص إلى مجلس بلدية الاحتلال سيُمكَن المقدسيين من الحصول على بعض حقوقهم الاجتماعية والخدماتية المهدورة والعمل على تخفيف عبء رسوم الارنونا والمخالفات المختلفة والعمل على وقف هدم البيوت والمنازل في القدس الشرقية وتحسين مستويات التعليم وفتح مدارس جديدة. الخ !! وبدون الاطالة والشرح والتحليل وبغض النظر عن الفئات والشخصيات التي تروج لكل ما سبق فإنه لا يمكن وصفهم وبافتراض حُسن النية والمقصد من وراء طرحهم المشبوه، إلا بأنهم بائسين ولا يملكون جَلَد وصَبر والقدرة على تحمل تبعيات النضال، لذا فهم قد انحازوا باختيارهم لمصالحهم الذاتية الانانية ولم يعد لديهم القدرة ولا الرغبة لمواصلة مواجهة الاحتلال البغيض -بافتراض ان بعضهم كان يناضل ضد الاحتلال-. لقد بات كل همهم تثبيط العزائم ودفع أخرين للحدو حدوهم واللحاق بهم والقبول بمعادلة الأمر الواقع الحالية المخزية والمهينة. فالذين يروجون للمشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال مثلا والمزمع إجرائها قبل نهاية العام، يقفون على ناصية الطريق أو على رصيف الشارع يشاهدون ما يتم في ميدان المواجهة اليومية والمستمرة وما يسببه لهم من خسارة الامتيازات والمكاسب التي يحصلوا عليها جراء بقاء الاحتلال، مما يتطلب منهم الترويج لثقافة التطبيع مع الاحتلال. ولو تمعن هؤلاء المطبعين والراغبين بالمشاركة في انتخابات البلدية، بالنتائج التي ترتبت على مشاركة أبناء شعبنا في الكنيست الإسرائيلي لأدركوا حقيقة أن مشاركتهم في انتخابات بلدية الاحتلال لن تكون أكثر من القيام بمحاولة حرث البحر وتبييض الوجه الكالح الكريه للبلدية العنصرية، بالإضافة إلى اقرارهم العملي بشرعية ضم القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل. فثقافة التطبيع طبقا لبعض الأمثلة سالفة الذكر لا تخرج عن كونها سوسة سرطانية خبيثة تنخر في دماغ اشباه المثقفين وأدعياء الوطنية والانتماء، ذلك ما يجب أن يدركوه قبل فوات الأوان. فما تم في الكنيست قبل أيام قليلة بالتصديق على قانون القومية والتي تتضمن أن بلدية الاحتلال لليهود فحسب، يجعل من كل المسوغات والتبريرات التي يطرحونها للمشاركة في انتخابات البلدية ليس أكثر من اعترافهم بهذا القانون التمييزي والعنصري ويحصر سقف مهمتهم في تطبيقه والولاء له والسير على هداه وتنفيذ محتوياته.