استئصال الإرهاب من جذوره مرتبط بالتنمية ومواجهة الفكر الضال وإنهاء الحكم المطلق
منذ ان بات الحكم المطلق السمة المميزة للنظام العربي الرسمي وتغييب الديمقراطية وأولها حق الشعب في انتخاب حاكمه والتداول السلمي للسلطة، انتشر الفساد والافساد والنفاق والبطالة والقمع والطغيان والاستبداد والاعتقالات والتعذيب وكثرت الهزائم على وجه الخصوص وفشلت معظم برامج التنمية. رغم ان ارض الوطن العربي تختزن في جوفها وبحارها ثروات وخيرات طبيعية كثيرة، تكفي مواردها لكل العرب دون استثناء. فأمام تفشي هذا البؤس الكئيب وانتشار جيوب الفقر والجهل وانسداد افاق المستقبل في وجه الشباب وخاصة المتعلم، دفع وأجبر الملايين منهم على خيارات صعبة وقاسية ومؤلمة بذات الوقت. فإما الهجرة إلى الخارج بحثا عن لقمة عيش كريمة وحياة انسانية شريفة تليق وتناسب الآدميين وإما اعتناق الفكر الضال وممارسة الإرهاب وإما الإقرار باليأس والقنوط والخنوع وانتظار الفرج من رب العالمين لعله يحدث معجزة تنشل الاوضاع من واقعها الأليم والبائس، وإما النضال ضد هذا الواقع المرير وتحمل نتائجه كالاعتقال والاضطهاد والافقار والبقاء على قارعة الطريق كثمن لصموده وعدم مغادرة الوطن وإما تعلم أسلوب ومنهج النفاق والفساد باعتبارها أقصر الطرق وأسهلها للوصول. وفي الجهة المقابلة والملفتة للنظر في ذات الوقت ان قوى الاستعمار والظلام والجهل شرًعت أبواب الخليج العربي على مصراعيه والذي يتميز بالخفة السكانية Under population، للأيدي العاملة الأسيوية وللشركات الغربية. فوفقا للتقديرات الحديثة المتاحة فإن عدد العمال والموظفين من غير العرب الذين يشتغلون بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية وأبرزهم الهنود في دول شبه الجزيرة العربية لوحدها ما يزيد على 23 مليون نسمة مع عائلاتهم يتركز نحو نصفهم في الامارات وقطر. فنسبة عدد العمالة الأجنبية المشتغلة في القطاع الخاص والعديد من المؤسسات العامة في هاتين الامارتين تصل الى 90% من مجمل القوى العاملة لكل منهما تنخفض الى 60% في الكويت والبحرين و50% في السعودية بينما لا تزيد عن 30% في سلطنة عُمان. ويُحولوا هؤلاء الى بلدانهم نحو 80 مليار دولار سنويا وهناك تقديرات تشير الى 100 مليار $. فلكم أن تتصورا لو ان ال 23 مليون عامل مع أسرهم جميعهم من العرب (مصر سوريا الأردن السودان والمغرب واليمن) وان التحويلات السنوية تتم الى هذه الدول، فهل يمكن للشباب العربي ان يفكر في الهجرة الى الدول الأجنبية الغربية منها على وجه الخصوص! وهل يمكن أن يتسلل الفكر الداعشي الوهابي التكفيري الضال إلى الشباب بهذه النسبة الكبيرة؟ ولو ان التحويلات الضخمة تُحول إلى الدول ذات الكثافة السكانية العالية Over Population مثل مصر وسوريا والأردن والسودان والمغرب واليمن لأمكن إحداث نقلات نوعية في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وحتى العسكرية. ولكم أن تتصوروا أيضا لو ان الدول النفطية استثمرت ال 900 مليار دولار التي انفقتها على الحروب العبثية التي بدأت عام 2011 حتى تاريخه، في الدول العربية ذات الكثافة السكانية العالية لكان مسار المنطقة كلها وحياتها قد تغيرت. ولو أن الدول النفطية أيضا اودعت واستثمرت مئات المليارات من الدولارات المودعة في مصارف الدول الغربية وبالأخص الأميركية، في القطاعات الصناعية والزراعية والتكنولوجيا العربية لكان من شأن ذلك وضع حد للبؤس والفقر والبطالة في عموم الوطن العربي، ولأمكن وبسهولة مواجهة الإرهاب الداعشي وحال دون انتشاره بهذه السرعة الجهنمية. إن 10% فقط من أموال النفط السنوية الخليجية لو تم انفاقها في فلسطين بانتظام (الضفة والقطاع) لما شاهدنا البؤس الحالي في كل مخيم وحي ومدينة وبالأخص في قطاع غزة. فأغلب الإرهاب المنتشر في الوطن العربي والإسلامي ناجم عن الفقر وانتشار البطالة وعدم التوزيع العادل للثروات والانحراف في مسالك التربية والتعليم والميل التلقائي نحو التخريفات والغيبيات والشعوذة والعيش في الماضي وتبني بعض الأفكار غير السوية لابن تيمية وغيره كثير. فلو تم كل ذلك لما نجحت الولايات المتحدة الأميركية متصدرة التآمر على العرب، في جلب الإرهابيين من مختلف اصقاع العالم بغرض تفتيت الوطن العربي وتجزئته وإعادة استعماره من جديد والسطو على خيراته وثرواته وتراثه وأرصدته. فمشكلة الدول النفطية كما هو معروف انها لا تملك كوادر محلية مؤهلة قادرة على استخراج أو اكتشاف النفط والغاز وغيره من الثروات الطبيعية. فهي تعتمد بنسبة 100% على الشركات الأجنبية الغربية والعمالة غير العربية بالدرجة الأولى. فالنفط والغاز على سبيل المثال تحتكر مراحل استخراجه وإنتاجه وتسويقه وتكريره وتحديد أسعاره الشركات الغربية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وتمتد سيطرتها وتحكمها ومعها العمالة الأجنبية إلى القطاع الصناعي والعمراني والخدمي ككل. والخطورة تكمن في أن حياة دول الخليج ومستقبلها واستقرارها السياسي والاقتصادي والعمراني بات مرتبطا بالشركات والأيدي العاملة الأجنبية وليس العربية. وقد دفع هذا الواقع الخطير بعض دول الخليج إلى الطلب من الولايات المتحدة الأميركية لإقامة قواعد عسكرية في أراضيها مغطاة التكاليف من ميزانياتها السنوية ومواردها النفطية، وبات ابتزاز هذه الدول من قبل الغرب امر في غاية السهولة لكونها قد طبقت المثل القائل " كالمستجير من الرمضاء بالنار". وبالعودة إلى موضوع اقتلاع الإرهاب فأنه لا بد من مواجهة البيئة الحاضنة الاقتصادية والمذهبية والفكرية، وهذا لن يتم دون البدء الجدي بعملية التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد وقبل ذلك وضع حد للحكم الأوتوقراطي المطلق السائد في معظم الدول العربية عدا لبنان حيث تتحكم به ديكتاتورية الطوائف والمذاهب الكبيرة. فالحكم المطلق والتفسير الخاطئ للدين وسلسلة الهزائم وفشل برامج التنمية هي وراء نمو وترعرع الإرهاب وأحد مبررات انتشاره وتوسعه. فهذه الأنظمة تشكل البيئة الأكثر تلائما لنمو الأفكار والتنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة واخواتهما. كما أن سيادة الحكم المطلق الفاسد أدى إلى زيادة تأثير وزن القبائل والعشائر وشراء الذمم بحيث بات قانون العشائر هو المؤثر وليس القانون المدني. فلا يمكن القضاء على الفكر الإرهابي في ظل استمرار هذه الأنظمة واستئثارها بالثروات وتحكمها برقاب العباد واعتمادها على الشركات والعمالة الأجنبية في إدارة دفة الاقتصاد بكل قطاعاته. لقد فتح هذا الواقع المرير أطماع وشهية كل الدول حتى تركيا الجارة المسلمة، التي تحاول إعادة تذكيرنا بمآسي الحكم العثماني البغيض. فحينما يكون حاكم هذه الدولة أو تلك كل همه الالتصاق بالكرسي والتمتع بالثروة دون أدني اعتبار لمصلحة الأمن القومي العربي ولمصلحة شعبه، فساعة ذاك تكون الدولة مرتعا للغرباء وشركات الحماية الأجنبية بداعي الحفاظ على الأمن والاستقرار مما يدفعه إلى قلب ظهر المجن للعروبة والإسلام والتاريخ، فهو ببساطة لم يعد إلى الثلاثة الأخيرة. فالذي يحميه ويوفر له ما يريد هو الأجنبي وفي المقدمة عدوة العرب الأولى واشنطن.فهي من تجند الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم وتنقلهم إلى أرض العرب لتقويض البنية الاجتماعية وتخريب اقتصاداتها وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية واستخدامها كورقة ضغط دائمة ضد الأنظمة العربية لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. فاقتلاع الإرهاب من الوطن العربي يتطلب:
1-وقف انظمة الحكم الاستبدادية المطلقة وإعادة التوزيع العادل للثروات ونشر الديمقراطية وتقبل الاختلاف ومحاربة الفساد والمفسدين وحظر التفسير الخاطئ للدين ومراجعة ما اتى به ابن تيمية وغيره كثير.
2-استئصال الفكر الضال من صدور المغرر بهم من خلال نشر ثقافة وطنية قومية وتوعية واسعة وخاصة لدى الشباب والتنشئة الجديدة.
3-وقف الاندفاع والتسابق نحو إقامة علاقات مجانية مع الاحتلال الإسرائيلي بما بتعارض مع المصالح والامن القومي العربي. فالحاكم العربي ليس مدينا لشعبه في وصوله إلى سدة الحكم، لذلك لا يقيم له وزنا ولا اعتبار. بعكس الدول الديمقراطية التي تنتخب حكامها دوريا مما يلزمها للاستماع إليهم والاستجابة لرغباتهم بشكل عام وتقديم كشف حساب دوري لها.
4-وقف التسابق نحو استدعاء القوات الأميركية للحماية وإقامة قواعد لها مغطاة التكاليف من الموارد المالية العربية. وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على بريطانيا وفرنسا وغيرهما.
5-البدء بتقليص الأيدي العاملة الأجنبية في سوق دول الخليج تحديدا والاستعاضة عنها بالعمالة العربية.
6-وضع برامج تنمية حقيقية في البلدان العربية وتحويل اقتصادياتها من ريعية إلى إنتاجية.
فالعديد من الدول العربية استقلت وتحررت من نير الاستعمار قبل الصين وماليزيا والهند واندونيسيا، ورغم افتقار بعضها للموارد الطبيعية كتلك الموجودة في الوطن العربي إلا انها تمكنت من تحقيق معدلات تنمية غير مسبوقة وباتت منافسة قوية للولايات المتحدة الأميركية ولبريطانيا وفرنسا. لا يمكن مواجهة الإرهاب واستئصال جذوره من الوطن العربي في ظل استمرار الوضع الحالي، الذي يشكل وصفة ناجحة وناجعة لبقاء الفكر الضال والإرهاب والتجزئة وتقويض منظومة الأمن القومي العربي الذي بدأ يشهد تصدعات ملموسة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.فكل العناصر المساعدة لنمو الإرهاب والفكر الضال متوفرة في الوطن العربي. فالحل العسكري والأمني سيلجمه مؤقتا أو يحد من نموه ولكنه ابدا لن يقضي عليه. فالبيئة الحاضنة للإرهاب متوفرة في الوطن العربي وبعض الدول الإسلامية. فالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية وإسرائيل ليست من مصلحتها ابدا القضاء على التنظيمات الإرهابية في أرض العرب ونشر الديمقراطية فيها، لكونها المدربة والمخططة والداعمة لها. ولعل ما تم ويتم في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وسيناء وأفغانستان خير مثال على ذلك.