نقل طلبة المدارس
«أفنان» ابنة الـ 12 عاما دهست تحت عجلات باص خاص صغير كانت تستقله مع عدد كبير من طالبات المدرسة بسبب عدم انتباه السائق واهماله، والدها موظف حكومي بسيط مكلوم وأسرته لن يتمكن من تسديد نفقات علاج ابنته، السائق أيضا يعمل بشكل مخالف ووضعه المادي لا يسمح بتأمين كلفة العلاج، وشركة التأمين لا تغطي في مثل هذه الحالة (باص خاص يعمل بنقل ركاب).
ضمن هذه المعادلة نرى أن جميع الأطراف وقع عليها الظلم، فالوالد يبحث عن وسيلة نقل تستقلها ابنته للذهاب الى مدرستها ووضعه المادي كموظف حكومي لا يسمح له بتأمين سيارة خاصة لنقلها، والسائق شاب يريد ان يعمل عملا شريفا ويعيل أسرته، لذا هو مضطر ان يعمل ولو بشكل مخالف للقوانين.
حقيقة الأمر، ان ظلم جميع الأطراف سببه عدم تأمين الحكومات شبكة مواصلات آمنة رغم مرور 100 عام على تأسيس الدولة الاردنية، فقد تعاملت الحكومات مع قطاع النقل تاريخيا على انه قطاع هامشي بسبب تواضع عدد السكان، ولم تخطط لمثل هذه المرحلة من تضاعف قاطني المدن بسبب ظروف داخلية وخارجية.
كما بقي قطاع النقل في الأردن وحتى الأن قائم بشكل رئيس ليس على القطاع الخاص، وانما على الأفراد ما جعله أكثر تشتتا، فهناك حافلات للنقل العام مقتصرة على مناطق معينة ولا تغطي مناطق المملكة، مكاتب تاكسي لشركات خاصة وفردية، حافلات متوسطة لشركات خاصة وفردية، وسيارات خصوصي تعمل بصفة عمومي، والسيارات العاملة بالتطبيقات.
ندرك تماما بان حلا سحريا لقطاع النقل لن يكون، لكننا في نفس الوقت لا نرى اي تطور في هذا القطاع، فالوضع لا يزال ثابتا والمشكلة هي ذاتها وما يحصل فقط تحليلات ومؤتمرات وندوات وصراعات حول قانونية استمرار سيارات الاجرة العاملة بالتطبيقات الذكية، وكأن حل مشكلة شبكة المواصلات في الاردن مرتبط بالترخيص لهذه السيارات من عدمه.
قضية نقل طلبة المدارس وصعوبتها والحوادث التي يتعرضون لها، هي من نتائج عدم وجود شبكة مواصلات حقيقية في الاردن، الى جانب تخلي الحكومة عن قطاع النقل على الاقل لهذه الفئة من طلبة المدارس الحكومية، ولو فكرت وزارة التربية والتعليم بان نقل طلبتها هو من صميم مهامها، لوجدت حلا، خاصة بعد ان اتسعت رقعة المساكن وتضاعف عدد السكان في مدن رئيسية كثيرة.
لا الحكومات السابقة ولا الحالية التي تولى وزارة النقل فيها أربعة وزراء حتى الان، تمكنت من تحقيق اي تقدم في هذا المجال رغم الدعوات الملكية المتواصلة للحكومة بالعمل على ايجاد شبكة مواصلات ونقل آمنة للمواطنين، ولا يوجد اي قرار جريء يمكن أن يضعنا على بداية الطريق، لان أي قرار يؤخذ فيه كل الاعتبارات ما عدا أثره على المواطن ايجابا أو سلبا.
زميلات «أفنان» سيبحثن عن باص مخالف آخر لينقلهن الى مدارسهن، والحكومة ستبقى تراقب المشهد لا أكثر.