هل أضاع عمر الرزاز الفرصة؟
د. حسن البراري
جو 24 :
لم يحصل رئيس حكومة من قبل على التأييد الشعبي الكبير لتشكيل حكومة من خارج الصندوق كما حصل الدكتور عمر الرزاز، كذلك لم يحصل رئيس حكومة من قبل على الوقت الكافي للتفكير في خياراته كما حصل عليه الرزاز، ومع ذلك جاءت التشكيلة مخيبة للآمال..
تعديل أم تشكيل؟
الملاحظة الأولى هي الخطوة غير المفهومة بالاحتفاظ بخمسة عشر وزيراً من حكومة أسقطها الشارع في الدوار الرابع، فلا يمكن الإشارة إلى انجاز لهؤلاء الوزراء وبخاصة وأنهم جمعيا وقّعوا على قانون الضريبة الذي أحدث أزمة اندلعت في البلاد وكادت أن تأخذنا إلى المجهول، فكيف يمكن تفسير إبقاء الرزاز على هذه المجموعة التي انتقدها جلالة الملك بشكل مباشر. لماذا لم يستفد الرزاز من دعم الملك في تشكيل حكومة دون الأخذ بعين الاعتبار أي معيار سوى معيار الكفاءة؟ فحكومة الرزاز، إن جاز التعبير، هي تعديل موسع شمل الرئيس السابق. ألم يمطرنا الرزاز تنظيراً بمعايير التعيين وما يسمى بوصف الوزير قبل أن يختار فريقه، هل انطبق ذلك على الخمسة عشر وزيراً؟ قطعا لا، وبعض الوزراء الذين خرجوا هم أفضل من الذين أبقاهم، وهذا بدوره يطرح علامة استفاهم كبيرة حول قدرة الرئيس على اصدار أحكام على من يختار الاستعانة بهم.
الرشاقة والتوازن المفقود
مرة أخرى لم يستقد الرزاز من دعم الملك بتشكيل حكومة رشيقة، فبدلا من أن يدمج بعض الوزارات الأمر الذي من شأنه أن يساعد في ضبط وتخفيض النفقات احتفظ بنفس العدد من الوزارات، وهذا بدوره يطرح سؤالا مختلفا يتعلق بتوجيهات الملك، لماذا يتجاهلها رئيس الوزراء؟ فتشكيلة الحكومة بهذا الشكل تعد خروجا عن كتاب التكليف الذي بموجبه تم تعيين الرزاز رئيسا للوزراء.
لا يوجد فريق سياسي بالحكومة، فجل اهتمام الرئيس كان الفريق الاقتصادي الذي جاء من شخصيات لا تخرج عن النهج الذي أنتج الأزمات المتتالية. وسيجد الرئيس صعوبة بالغة في مخاطبة الشارع؛ لأنه -باستثناء المعشر- لا يوجد هناك شخصية تحظى بمصداقية عند الشارع، وسيكون من الصعب بمكان للرئيس وفريقه اقناع الشارع بأي خطوة في قادم الأيام. ولن يكون بمقدور الرئيس الاعتماد على تويتر للتواصل مع الأردنيين الذين باتت ثقتهم بالحكومات قليلة جدا.
لا يبدو أن الرئيس عمر الرزاز بهذه التشكيلة غير الرشيقة وغير المتوازنة استوعب ضرورة استعادة الثقة بين الشعب والحكومة، فالفجوة وصلت إلى مستويات تحتاج إلى جهد كبير جدا لتجسيرها، فالاعتماد على دعم المؤسسات الأخرى في الدولة الأردنية لن يكون كافيا لحماية الرئيس وحكومته من حكم الشارع المتيقظ لكل شاردة وواردة. ولا يتفهم الأردنيون كيف لخمسة -من ضمنهم الرئيس- كانوا قد عملوا في البنك الأهلي؟!
البرنامج
لنكن صريحين، لن ينقذ الرئيس وحكومته الهزيلة إلا البرنامج، وإذا ما استمر بنفس البرنامج النيوليبرالي – وبخاصة مع عودة الليبراليين إلى الحكومة في مواقع رئيسية – فإن فرص الحكومة في الحصول على ثقة الشارع ستكون شبه معدومة. الأردنيون بحاجة إلى حكومة تعكس أولوياتهم وهي معالجة الفقر والبطالة والتضخم، وأي خروج عن هذه الأولويات سيضع الحكومة في صدام مع شارع متيقظ ولا يرحم.
فالتحدي الأول سيكون الاقتصاد، وحل مشاكل الأردن الاقتصادية يتطلب سياسة خارجية متوازنة وهذا الأمر ليس بيد وزير الخارجية ولا الحكومة وإنما هو ملف القصر. والحق أن الملك يبذل جهودا كبيرة لجلب المساعدات لكن يبقى للحكومة الدور الأكبر في إدارة هذا المساعدات وضبط النفقات وملاحقة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.
ما من شك أن الرئيس يمتلك المؤهلات الكبيرة وله خبره اقتصادية كبيرة ويراه الشارع نزيها ونظيف اليد، غير أن قيادة دفة الحكومة تتطلب سمات أخرى كانت تحتم عليه أن يبتعد عن الاستعانة بوزراء من نفس الصندوق. في مقابلة مع الدكتور ممدوح العبادي في قناة الأردن اليوم أشار العبادي بأن رئيس الحكومة لا يملك ولاية عامة وبالتالي فإن القرارات تبطخ في مكان آخر، ولكن هذا ليس حجة للتقصير الحكومي ولا ذريعة للاختباء في حالة الفشل. بالنسبة للشارع فإن رئيس الحكومة هو المسؤول وصاحب الولاية وصاحب التشكيلة وعليه سيتحمل المسؤولية الشعبية الكاملة في حال الفشل كمن سبقه.
بكلمة، ارجو نجاح الرزاز في مهمته الصعبة مع أنه أضاع فرصة دعم الشارع والملك له في تشكيل حكومة خارج الصندوق وغير مسبوقة تعتمد معيار الكفاءة وفيها توازن سياسي، فلن أقول من أول غزواته كسر عصاته لكنها بداية غير مشجعة للرئيس.