انصار الرزاز وجلسة الثقة
د. حسن البراري
جو 24 :
حالة التنمر الذي يمارسها البعض من أنصار الدكتور عمر الرزاز ضد مجلس النواب في محاولة منهم لدفع المجلس منح الثقة مثيرة للشفقة، فالمسألة لا تحتاج إلى هذه الفزعة التي تنطوي على إفلاس فكري والتي تكشف زيف الكثير من أدعياء الليبرالية والديمقراطية. فحكومة الرزاز مثل سائر الحكومات السابقة تم تشكيلها بنفس آلية تشكيل الحكومات السابقة، ولم تحمل الجماهير الرزاز الى الدوار الرابع بل تم اختيار الرزاز من قبل جلالة الملك كما جرت العادة. أتفهم حماس أنصار الرزاز لشخصية الرئيس وهذا حقهم، وربما يرى البعض بأنه ممثل لاتجاه ليبرالي يؤمنون به، لكن هذا الاتجاه لا يعكس الغالبية الساحقة من الأردنيين ولا يجوز تقديم الرئيس وكأنه ممثل عن كافة شرائح المجتمع الأردني التعددي والمتنوع.
وعلى نحو لافت يكتب البعض من أنصاره "الليبراليين" بأن ليس من حق مجلس النواب حجب الثقة عن رئيس يتمتع بشعبية كبيرة بين الأردنيين، ويضيف هذا البعض بأن حجب الثقة تعني أن النظام الأردني غير ملتزم بالاصلاح. والحق أنه من الصعب الربط بين حق مجلس النواب في منح أو حجب الثقة والتزام النظام بالاصلاح، فالأصل أن لا يتم التدخل في أمور المجلس الذي يحسم هذه المسألة. وبالنسبة لحكومة الرزاز فإن منحها الثقة لا يعني أن النظام ملتزم بالاصلاح كما أن حجب الثقة لا يعني عدم التزام النظام بالاصلاح، ثمة خلط غريب وربما خبيث فيما يذهب إليه البعض.
الشعب الأردني الذي أسقط حكومة الملقي كان تواقاً لحكومة جديدة بمعايير مختلفة وبتشكيلة ترتقي لمستوى المسؤولية الوطنية، وكانت الاختبار الأول لرئيس الوزراء في التشكيلة التي جاءت محبطة ومخيبة للآمال. والغالبية من بين الأردنيين انتقدت تشكيلة الحكومة واعتبرتها مؤشرا على عدم قدرة الرئيس على الحكم (Judgment). ويرى الكثيرون أن الأداء الأولي لبعض الوزراء الجدد كان ضعيفا. وحديث بعض انصار الرزاز بأنه ليس مسؤولا عن التشكيلة بهدف ابعاد اللوم عنه هو في حد ذاته اساءة، فكيف يكون رئيسا للحكومة وغير قادر على اختيار الفريق الذي يعمل معه!
وفي سياق متصل، من الصعب جدا قياس شعبية الرئيس لأنه لم يخض انتخابات واحدة في حياته كلها. ما من شك أن صورة الرئيس على المستوى الشخصي ايجابية، فلم يعرف عنه فسادا أو غيره، وهذه مواصفات الغالبية الساحقة من الأردنيين. لكن عندما يتعلق الأمر بالشعبية التي يحاول "الليبراليون" تسويقها فعندها نحتاج لمعرفة المعايير التي يستندون إليها إن كانت بالفعل هناك معايير غير الانحياز لمشروع لا يمكن تنفيذه إلا بالاستئثار بالسلطة. والمفارقة أن "الليبراليين" يريدون تنفيذ وجهات نظرهم بأي وسيلة حتى لو تطلب ذلك الدوس على الديمقراطية!
يستغرب الكثيرون في الأردن من حالة التنمر الليبرالي ضد مجلس النواب، فالدستور هو الذي منح البرلمان سلطة منح أو حجب الثقة عن الحكومة، وهناك الكثير من الأردنيين لا يثقون بمجلس النواب وهذا حقهم، لكن هناك أيضا نسبة عالية من الأردنيين لا تثق بالحكومات. فالقول بأن مجلس النواب لا يحظى بثقة الشارع لا يعني أن عليه منح الثقة لحكومة الرزاز إلا إذا رأى ذلك بمحض إرادته واستجابة للقواعد الشعبية للنواب.
هذه ليست دعوة مني لمنح أو حجب الثقة، فهذا الأمر يعود لأعضاء المجلس، لكن كان بالامكان التركيز على برنامج الرئيس – إن كان هناك برنامج غير العابر للحكومات – وعلى قدرة الحكومة على تنفيذ هذا البرنامج دون اللجوء إلى التهويش والربط الخبيث بين التزام النظام بالاصلاح ومنح الثقة لحكومة لا تختلف عن سابقتها بشيء. وفي النهاية، ربما يظلم أنصار الرزاز الرجل بفزعتهم له، فهو أقدر على مواجهة مجلس النواب من أقلام تتمسك بقشور الليبرالية والديمقراطية ولا هم لها إلا الوصول إلى سلطة صنع القرار للاستئثار به.