jo24_banner
jo24_banner

الرزاز لم يصل الدوار الرابع محمولا على اكتاف الجماهير..

د. حسن البراري
جو 24 :


لا يمكن لكل العبارات المنمقة والتعبيرات "الحداثية" التي يلجأ إليها جزء من أنصار رئيس الوزراء عمر الرزاز لتجميل صورة الحكومة على اعتبار أنها "المنقذ" ، أن تغير من حقيقة أن الزاز فشل فشلا ذريعا في الامتحان الأهم وهو تشكيلة الحكومة.

أسوق ذلك ليس رداً على التسحيج الممنهج الذي يمارسه بعض المتحمسين لشخصية عمر الرزاز الذي يُقدّم بشكل ساذج وكأن الجماهير هي من حملته إلى الدوار الرابع.

الرزاز وحده من يتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة، والحديث عن تدخلات مراكز القوى هنا أو هناك لاعفاء الرجل من مسؤولية أي اخفاقات قادمه هو كذر الرماد في العيون، فالرجل أعلن بأنه هو بمفرده من شكل الحكومة، والحق أن الدستور يعطيه صلاحية التشكيل دون قيد او شرط وهي الصلاحية التي كان ينبغي أن يعض عليها بالنواجذ وألا يسمح لأحد مهما علا شأنه بأن يتدخل في تشكيل الحكومة. وبما أن الرجل قام بذلك بملئ إرادته فهو من يتحمل المسؤولية.

المهم هنا ،وفي سياق تقييم التشكيلة الوزارية ، فاننا حتما سنخلص الى نتيجة واحدة مفادها، ان الدكتور عمر الرزاز يفتقد القدرة على الحكم (judgment) وإلا لما جاء بهذا التشكيل الهزيل.

الدكتور مصطفى الحمارنة في لقاء له مع (منصة تقدم) اصاب عندما قال بأن تعيين الرزاز يمثل فرصة تاريخية لكنني أرى أن الرزاز اضاع الفرصة منذ أن أعلن عن تشكيلة الحكومة. وجانب الحمارنة الصواب عندما دفعه حماسة الشديد لعمر الرزاز للقول بأن هناك قاعدة اجتماعية للرزاز أو لحكومته، وهذا افتراض لا نعرف كيف تشكل في عقل صاحبه ،وعلى اي استطلاع - وهو ابو الاستطلاعات - اعتمد، فالعكس هو الصحيح، ولا يمكن الحديث عن وجود مطالبات لدى قطاعات أردنية بالرزاز، واعتصامات الدوار الرابع بالأساس كانت ضد الحكومة التي كان الرزاز احد اعضائها ،الرزاز كان خيار الملك كما كان سلفه من الرؤساء ..

ومع ذلك يتمنى الاردنيون أن تنجح الحكومة في معالجة القضايا الثلاث الأهم وهي محاربة الفقر والبطالة والتضخم. وهذه هي معايير النجاح..

ولا يتوقف الاشكال عند التشكيلة الوزارية المخيبة للآمال ، لا بل ازدادت حيرتنا واسئلتنا بعد ان استمعنا للبيان الوزاري لحكومة الرزاز الانشائي ، وخاصة عندما تحدث - وردا على كتاب التكليف- عن حاجتنا الى عقد اجتماعي جديد ، وكأننا وبعد اقترابنا من المئوية الاولى من عمر دولتنا بحاجة لعقد جديد!

الدستور الأردني الحالي يوفر أهم ركيزتين وهما: أن الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات، والولاية العامة للحكومة التي ينبغي أن تكون مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب بشكل مباشر من الشعب. وهذا يضمن توازن السلطات. فلو كانت المطالبات لتفعيل الدستور لفهمنا الأمر ، غير أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير.

الصديق الدكتور محمد أبورمان قال على برنامج نبض البلد أن هناك علاقة رعوية بين الدولة والأردنيين (المقصود طبعا الشرق أردنيين)، تُقدم من خلالها الدولة الوظائف والدولة تحصل على واردات بعيدة عن المواطنين. ويضيف الدكتور محمد ابو رمان بأن الدولة لم تعد قادرة على ديمومة هذه العلاقة. ويصل أبو رمان إلى نتيجة مفادها أن هناك ضرورة لعقد اجتماعي جديد. لم يعجب هذا الكلام الدكتور ممدوح العبادي الذي لا يرى أي ضرورة لعقد اجتماعي جديد وأن المطلوب فقط تفعيل الدستور.

والحق أن مروان المعشر سبق الجميع عندما كتب دراسة لصالح معهد كارنيجي يربط فيها بين تعثر الاصلاح السياسي والرعوية.

وهنا ولغايات وضع الامور في سياقاتها النظرية الصحيحة ، ومنعا للخلط والتوظيف الخبيث للنظرية ، فلا بد ان نؤكد على حقيقة ان مشكلة أنصار نظرية الريعية بمفهولها المغلوط منهجية بالاساس ، فمثلا، مع تبلور حقيقة أن أكثر من 85% من واردات الخزينة هي من الضرائب التي يدفعها الاردنيون، فإنه لا يمكن الحديث عن توفر الريع (rent) وفقا لتعريفات حازم ببلاوي وجياكومو لوسياني صاحبا كتاب الدولة الريعية. وعليه فإن جل الخدمات التي تقدمها الدولة تأتي من الضرائب، وبذلك يكون البناء على افتراض ان الأردن دولة ريعيه هو استنتاج مضلل والهدف من ورائه تفكيك العلاقة بين الدولة الأردنية والشرق أردنيين على إعتبار أنهم يهيمنون على القطاع العام الذي يوظف 40% من القوى العاملة في الأردن.

وعودة الى مصطفى الحمارنة الذي قال في اللقاء ما غيره، بأن على الرزاز أن ينجح رغما عنه! لا أعرف كيف سينجح رغما عنه، فالرجل ليس مقاتلا وفقاً لراي مصطفى الحمارنة ونجاح البرنامج الذي تقدم به لنيل الثقة يحتاج لتوفر عاملين أساسيين هما: أن يكون الرئيس شخصية قوية مقاتلة لا تكل ولا تمل وفريق وزاري من أعلى مستوى. الشرطان غير متحققين .

ما من شك أن هناك ضرورة لتحويل المجتمع الأردني إلى مجتمع انتاجي وهذا لا يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا بل الى سياسات حكومية راشدة. وما من شك أن فجوة الثقة بين المواطن والحكومة وصلت إلى نقطة متدنية جدا ما يعني أن هناك ضرورة لاستعادة ثقة المواطن بالحكومات وهذا بدوره يتطلب اصلاحا سياسيا حقيقا ليس على أجندة حكومة الرزاز. فالأخير يتحدث عن تغيير النهج لكنه لا يقترب من النهج الاقتصادي الجبائي الذي يبدو انه سيستكمل حلقاته الواحدة تلو الاخرى . فالرازاز متماهي بشكل كلي مع برنامج البنك الدولي الأمر الذي يسمح للأردن الحصول على المزيد من القروض وبالتالي المزيد تعميق التبعية والارتهان ومصادرة القرار الوطني والسيادي. بمعنى آخر، لا تهدف حكومة الرزاز إلى التأسيس لحياة سياسية يكون فيه الشعب مصدرا للسلطات – وفقا للدستور – وإنما تغيير العلاقة مع مكون ديمغرافي أردني لتكريس النهج الاقتصادي الذي عمق الأزمة الاقتصادية وأوصلها إلى نقطة حرجة للغاية.

يبدو ان المطلوب هو تطويع الأردنيين لقبول حلول لا يمكن لهم أن يقبلوها في ظروف عادية. والأمر لا يتعلق بنظرية المؤامرة لأن هناك محاولة جادة لحل مشكلة إسرائيل الديمغرافية وهذا بدوره يتطلب تحقق شرطين: وجود شريك عربي يقبل بلعب دور في الضفة الغربية، الأردنيون لا يقبلون بذلك، غير أن هناك من يعتقد أن افقار الأردن هو لدفع الأردنيين إلى الاذعان. وثانيا، احداث تحولات في الموازين الداخلية بالاردن. ما من شك أن هناك قوى – على تواضع حضورها – تسعى لتحقيق الشرطين. وبهذا المعنى، أرى أن جزءا من أنصار الرزاز يعرفون ذلك وهم يعملون وفقا لهذه الرؤية.
 
تابعو الأردن 24 على google news