«اللامركزية».. إما تقويمها أو إعلان فشلها
أما آن للحكومة الالتفات قليلا لتجربة «اللامركزية»، فإما أن تنقذها، أو تلغيها، أما أن يبقى واقعها المؤلم كما هو الآن فان ذلك لا يخدم المجالس ذاتها التي بدأت تقتنع بأنها «ديكور ديمقراطي» لا أكثر، ولا يخدم المواطن بسبب الصلاحيات «منزوعة الدسم» الممنوحة لرؤسائها وأعضائها، اضافة الى أن الأمر يشكل عبئا على الموازنة المنهكة أصلا دون فائدة ترجى.
الململة بدأت تتسرب لرؤساء وأعضاء هذه المجالس، وتداعوا الى أكثر من مرة لتشخيص واقعهم، ووجدوا أن مطلبهم للقيام بدورهم الذي أوجدتهم الحكومة من أجله لا يمكن تحقيقه، طالما لا يجدون أدنى حق لهم بمكان يجتمعون فيه، فأغلب المجالس تضطر لاستخدام مباني المحافظات وقاعاتها لعقد اجتماعاتها أو استخدام منازل أعضائها لبحث شؤون محافظاتهم.
تداعت مجالس المحافظات الى لقاءات عديدة، ومنها لقاءات عقدت مع وزارة التنمية السياسية التي تتشارك المسؤولية عليها مع وزارتي الداخلية والتخطيط، وكانت هناك مطالب محقة وأخرى غير محقة، لكن لم يتم تنفيذ المحق منها أو الاستماع اليه في عهد حكومة الدكتور هاني الملقي المستقيلة التي رفعت يدها عنها بمجرد تسليم ملف إجراء الانتخابات للهيئة المستقلة للانتخاب.
رؤساء مجالس المحافظات خلصوا في اجتماع عقدوه بإربد الشهر الماضي لبحث «همومهم»، الى منح الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عمر الرزاز شهرا بعد حصولها على الثقة، للنظر في مطالبهم وتحقيق كل ما من شأنه انجاح تجربة اللامركزية ووضعها في اطارها الحقيقي، خاصة وان حكومة الملقي لم تضع هذه التجربة من ضمن أولوياتها.
أعتقد أن حكومة الدكتور الرزاز يجب أن تكون مهتمة أكثر في المجالس ذاتها بهذا الملف، فالمشهد الحالي يشي تماما بان استمرار الحال على ما هو عليه يعني الفشل، وللأسف فان الفشل سيسجل على الحكومة الحالية أو اللاحقة، ولن يطال حكومة الملقي منه شيئا، رغم أنها لم تتحرك خطوة واحدة لتحقيق هذا الغرض.
إذا أردنا الاستمرار في هذه التجربة، واذا كانت هناك ارادة حكومية لإنجاحها، فيجب تحقيق المطالب بتعديل قانون اللامركزية ونقل الصلاحيات من الوزارات للمدراء التنفيذيين بالمحافظات والاستقلال المالي والاداري وتوفير أدوات العمل من كوادر فنية ودعم لوجستي ومباني خاصة بهم حتى تتمكن المجالس من القيام بمهامهما وواجباتها، وجميعها مطالب محقة.
الأصل ومن دون مناشدات ومطالب، أن تقوم الحكومة الآن بتقييم تجربة «اللامركزية» بعد عام على تنفيذها، وستكتشف أن المواطن الذي يشكل الهدف الأول للتجربة، لم يصله أي فائدة منها، بل أنه لا يشعر بوجودها رغم محاولات أعضاء من المجالس بذل جهودهم محليا، لكنهم حالهم من حال المواطن، فليس بيدهم أية صلاحية تمكنهم من تعزيز الواقع التنموي في محافظاتهم بانتظار رحمة «المركزية» من العاصمة عمان.
كان الأصل من البداية اقناع المواطن بان تأسيس مثل هذه المجالس هو لمصلحته وفائدته، لكن ما جرى عكس ذلك فالانتخابات أجريت على عجل والقانون كان عاجزا، وما يحصل حاليا هو نتيجة للتخبط والتسرع من الحكومة السابقة في إنجاز هذه الملف كما غيره من الملفات الأخرى، لكن من الضروري ايجاد حل.
جاءت هذه التجربة «اللامركزية» لتحقيق أهداف وليس لتشكل عبئا جديدا على المواطن، وكان أهم أهدافها «اللامركزية» كما هو واضح من التسمية، لكن للأسف لم يتحقق الهدف الرئيس ولا أي هدف ثانوي رغم مرور أقل من عام على تشكيلها عقب الانتخابات التي اجريت منتصف شهر آب من العام الماضي، واعتقد ان فترة عام كافية لتقييم التجربة، فإما تقويمها، أو اعلان فشلها.