جدران العجز
كتب د. حسن البراري
التمس المعذرة من رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور، فمن الصعوبة بمكان أخذ ما يقوله على محمل الجد وسأعتبر أن بعضا مما يقوله يندرج في سياق الـ "Fiction" خفيف الظل، فالجدية المصطنعة التي برع في اظهارها سرعان ما تتبخر على نيران العجز الواضح في تفسير حدود قوة الرجل وصلاحياته.
بتقديري أن الدكتور عبدالله النسور يعتقد بأنه أكثر ذكاء من البقية وأن كلامه مقنع، وهو بذلك مصر على اطلاق العنان لخيالة لنسج قصص تتعلق بولايته العامة الكاملة غير المنقوصة وكأن الرجل يعيش في دزني لاند وليس في الاردن. وكلامه بأن لا تدخلات من قبل المخابرات ولا الملك ولا القصر بتشكيل الحكومة يجعلني أتخيل ولو لبرهة بأن الرجل جاء إلى موقعه على أكتاف الجماهير وليس بقرار من رأس الدولة الذي يستطيع ان يخلعه بأقل من ثانية.
أخطر ما في الأمر أن الرجل يعيش في حالة من النكران (denial) الخطرة، ففي حين أنه يدرك تماما ان هناك حدودا لقوته إلا ان يتصرف وكأن الأمر غير ذلك وربما مراهنا على أو للدقة نقول معتقدا أن ذكاء المواطن الأردني لن يسمح له بسبر اغوار الحقيقة المرة الماثلة امامنا كجبال هملايا. فصاحب القرار في ابقاء أو تغيير بعض الوزراء هو الملك وليس رئيس الحكومة، وحتى لو شكل النسور الحكومة من دون الوزراء العابرين للحكومات فإن القرار يأتي من فوق وليس من النسور.
نسوق ذلك ليس من باب الانتقاص من قدرات الرجل، فما من شك أن الدكتور عبدالله النسور من أقدر السياسيين الأردنيين في العشرين سنة الأخيرة، وهو يمتلك من المنطق والفصاحة ما يضعه فوق العديد من أقرانه وفوق كل وزرائه. ولكن نطارح ما يقول حتى تكون قواعد اللعبة واضحة، فالاصل أن يكون هناك تلازم بين السلطة والمسؤولية وهذا يتطلب أن تتهاوى جدران الخوف والعزل، لا أن يأتينا رئيس وزراء يتحمل مسؤولية قرارات وتعيينات ليس له فيها رأي.
وبعيدا عن المشاورات مع الكتل النيابية، فإن الحكومة القادمة- وان حصلت على ثقة نيابية معقولة- فهي لن تخرج عن المألوف ولا يمكن لها ان تكون مختلفة عمن سبقها، فهي ستكون امتثالية لشيء معد سلفا وعابر للحكومات، وهو الأمر الذي اعترف به رئيس الحكومة في مواجهة ساخنة في البرلمان قبل أكثر من اسبوع بقليل. ومطالبات بعض النواب التوزير او المحاصصة تشكف عن حقيقة أن أي رئيس حكومة لن يشعر بتأثير نيابي لتشكيل حكومة تعكس طموح الشارع وتتلمس هموم الناس.
لذلك على الارجح ان ننتهي بحكومة كالتالي: وزراء عابرون للحكومات يختارهم القصر، ثم وزراء ترضية للكتل النيابية، ثم وزراء الكومبارس الذين يأتون ويذهبون ولا يعرفون لماذا، وهم بالعادة مرتبطون بالاجهزة وإن تكرر بعضهم فهو لا يخرج عن اطار الكومبارس الذي ليس له أي رأي او تاثير في البرنامج المعد سلفا، وهو برنامج عابر للحكومات يحرص على تنفيذه وزراء القصر. نستخلص أن لا مفاجآت قادمة بالتشكيل وأن جدران العجز تزداد سماكة ولكن بغطاء نيابي هذه المرة!