يا خسارة ما كَتَبْنا..!
موسى الصبيحي
جو 24 :
لم نكتب القليل.. بل الكثير، مما يمكن أن يقال ومما لا يقال، ووقف المنافقون في خندقٍ مناويء، لا يُحصون مناقب الأوضاع، ولا يقفون عند حدّ الكلمة التي خانت لغة الضاد، وانقلبت بهمجيّة بشعة على الأسماع، لا بل ذهبوا إلى ما هو أكثر بشاعة، فأوغلوا بالتمجيد، وأشادوا بالجديد والتليدْ، وتقاسموا فيما بينهم عبارات الشجب والتنديدْ لكل مَنْ خالفهم الرأي، وأطلقً فِكْرَهُ دون حدّ أو نأي، وكالوا له بقوّة، وألّبُوا عليه السلطة، طوراً بالتضييق والتشديد، وطوراً بالتوبيخ والتهديدْ..!
كًتًبْنا بما فيه الكفاية والزخمْ، حتى ملّ منّا القلمْ، وملّت اللغة، وتساوى الحرفُ والعدَمْ، فتهدّم في الذات ما تهدّمْ، وغدا الربيعُ خريفاً، تساقطت فيه الحروف، وبدأت الكلماتُ تتسرّب فوق السقوف، وبدأنا نتسرّب معها، نشكو العزوف والوسوفْ، ونلعن الظروفْ، وانصهرنا في أتون معركة الكلمة، فلم تعد اللغة قادرة على إفهامهم ولا حتى إفهامنا، فتلقيناها لَكْمَةً في إثْرِ لَكْمَة، وبدأت حكاية الكتابة بالذوبان، فانتفخت أوداج الكذّابين، كما انتفخت كروش المنافقين، وأصبحوا كالقطط السِّمانْ..!
فيا خسارة ما كَتَبْنا.. يا خسارة ما كَتَبْنا..!