المومني يكتب: ما بعد جولات الحوار.. هل وصلت رسالة الاردنيين لصندوق النقد ؟
جو 24 :
كتب د. جهاد المومني -
بحساب الفوائد والاضرار يمكن القول عن قناعة ان لقاءات الحكومة في المحافظات الحقت ضررا كبيرا بهيبة الحكومات نفسها اولا وبمؤسسات الدولة بشكل عام أكثر بكثير مما حققت من فوائد وقد حققت بعضها بالفعل ،ليس لان الحوار بالاساس فكرة خاطئة وانما لان تنفيذ الفكرة شابه الكثير من الاخطاء الفنية والتنظيمية اضافة الى أخطاء شخصية ارتكبها بعض الوزراء في مخاطبتهم للناس، والتقييم الشامل للقاءات سواء منها ما تم وانتهي الى لا شيء او تلك التي انتهت قبل ان تبدأ، يفضي الى عدة نتائج مهمة ودروس يجب الاستفادة منها اولها ان رئاسة الوزراء تفتقر الى مستشارين حقيقيين من ذوي الخبرات يعملون الى جانب الرئيس ويقدمون له المشورة في كل خطوة وقبل اي قرار يتخذ خاصة في هذه الظروف العويصة التي تمر بها البلد على الصعيد المحلي الداخلي ،فبالرغم من كثرة المستشارين في رئاسة الوزراء ،الا انهم في الواقع لا يقدمون اية استشارات ولا يُسألون عنها.
واحدة من النتائج المستوحاة من حالة الارتباك الرسمي تشير بقلق الى انه ولاول مرة في تاريخ الاردن المعاصر تصبح مصادر الاخطار التي تهدد سيادة الدولة الاردنية داخلية وليست خارجية، ولذلك فإن مسؤولية درء هذه الاخطار والتعامل معها تقع ضمن ولاية الحكومة وفي نطاق صلاحياتها باعتبارها اخطارا سببها تراكم الاخطاء التنفيذية والفساد وتراجع النمو الاقتصادي والفقر والبطالة والقرارات الخاطئة الى آخر قائمة طويلة من اسباب الوصول الى الوضع الحالي.
لا شك عندي -وعند غيري- ان الحكومة لم تفاجأ بحجم الرفض الذي انتظرها في المحافظات على قاعدة (رحم الله امرء عرف قدر نفسه) وعلى اية حال لم يكن الهدف من اللقاءات معرفة شعبية الحكومة وانما سماع رأي الاردنيين بالصوت والصورة وعلى الفضائيات مباشرة بقانون ضريبة الدخل ومسودته المقدمة اساسا من صندوق النقد الدولي ،اما الرفض الشعبي للقانون وعلى هذا النحو الفظ من الاهانة والتجريح والطرد لممثلي الحكومة فهو ما ارادت الحكومة إبراقه فورا للصندوق وللدول المانحة لمواجهة الضغوطات وتوفير سببا جوهريا لاقناع الصندوق الدولي بالتراجع عن صيغة القانون الحالي والقبول بصيغة اخرى تتوفر الان لدى الحكومة وتحديدا بين يدي نائب رئيس الوزراء د.رجائي المعشر وضعت في الادراج بعدما لم تنفع الرسائل والمخاطبات الرسمية واللقاءات المباشرة بين الحكومة الاردنية وممثلي الصندوق في ثني الصندوق عن الاستمرار في شروطه ،فكان لا بد من احالته الى الشعب الاردني الذي قال كلمته واضحة وهدد بقاء الحكومة اذا ما ذهبت بصيغة القانون المعلنة الى مجلس النواب .
ومما لا شك فيه ايضا ان الحكومة اخذت على عاتقها مسؤولية الحوار في المحافظات لهدفين تكتيكيين يتعلق اولهما بتوفير عذر للنواب واعفاءهم من مواجهة حتمية مع الناس تقضي على ما تبقى من هيبة مجلس النواب في مقابل تعاون النواب انفسهم في دورة قادمة تخصص لاقرار قانون ضريبة الدخل الآخر المخبأ حاليا والى اشعار آخر، الهدف الثاني يتمثل في تطبيق خطة استراتيجية محكمة تقضي بذهاب الحكومة الى الناس بدلا من مجيئهم الى الدوار الرابع.
ولكن ومع ذلك وبالرغم من ان الاخطاء التي ارتكبت تخدم القضية الاولى وهي وضع مشروع قانون ضريبة الدخل بين يدي الشعب الاردني كي يقول كلمته لصندوق النقد الدولي ،فإن المجازفة بتهديد هيبة الدولة على هذا النحو سابقة خطيرة جعلت من لقاءات الحكومة في المحافظات فرصة محاكمة شعبية تغيب عنها المعلومة ،اضافة الى ما تعرض له الوزراء من مواقف محرجة اجبرتهم في عدة حالات الى المغادرة قبل ان يتمكنوا من قول كلمة واحدة ،واذا اضفنا الى ذلك مجازفة السماح لكل من هب ودب بدخول صالات الحوار ومخاطبة الحكومة بلغة فظة وباسلوب استعلائي والخروج عن نطاق الحوار حول مشروع قانون ضريبة الدخل الى مواضيع جانبية جدلية كالفساد والبطالة والتهميش وغيرها من القضايا ذات الطابع الشعبوي بالنسبة للكثيرين من متصيدي فرص المزايدة ،فإن لهذا التمرين ثمن باهض ستكون له انعكاساته على قضايا عامة أخرى اكتشف المواطن مؤخرا انه قادر على تغييرها او تعديلها لصالحه بالفوضى والصوت العالي بل وحتى باهانة السلطة التنفيذية واجبارها على مغادرة المكان او التراجع عن قراراتها ،على الاقل هذا ما بقي في اذهان الناس بعد انتهاء الحكومة من حواراتها في المحافظات .
السؤال الذي تجاوزته الحكومة وصولا الى اشتباكها في المحافظات عن طيب خاطر هو مع من يكون الحوار حول قانون غير عادي ويحتاج الى خبراء واختصاصيين في المال والضرائب وحتما يحتاج الى معرفة بنتائج إقراره وتطبيقه على ارض الواقع ، لم تتوقف الحكومة طويلا عن هذا السؤال وكانت تعلم ان الناس ليس لديها الا رأي واحد هو رفض القانون قبل قراءته وقبل الاطلاع على تفاصيله.
قد تحقق لقاءات الحكومة وما نتج عنها في اقناع صندوق النقد الدولي بعدم جدوى المضي بمشروع قانون ضريبة الدخل بصيغته الحالية لان البديل مواجهة الاردنيين في جولة جديدة ستكون الحكومة ضحيتها ،وقد نجحت الحكومة حتى الان في الاختباء خلف الاردنيين من غول صندوق النقد وتقبلت الاهانة عن طيب خاطر حتى بلغت السخرية منها حد تبارى المحافظات على من منها تطرد الحكومة اسرع وتسئ اليها اكثر من الاخرى ،ومع كل ذلك تبقى معضلة اقناع باهمية قانون ضريبة الدخل وضرورته قائمة حتى بعد إخراج نسخته المخبأة في الادراج وتعديلة وتحسين صورته امام الناس ، فالقانون وصم بسوء السمعة ويحتاج الى حملة علاقات عامة لتحسينها قبل ان يصل الى مجلس النواب حتى لو ضمنت الحكومة اقراره بالسرعة المطلوبة وهذه الحملة تقع ضمن مسؤوليات الاعلام بطبيعة الحال لكن الاعلام مجرد وسيلة لايصال المعلومات للناس ،فما هي ملامح ما تريده الحكومة من اعفاءات ضريبية،هل صحيح انها تريد اقل كثيرا مما تطلب في مشروع القانون الحالي ،ولكنها تترك للنواب فرصة (قصقصة ) مشروع القانون حفاظا على ماء الوجه ..!؟