إلغاء ديون بلديات.. قرار خاطئ
إعفاء مجلس الوزراء 34 بلدية من ديون مستحقة عليها تفوق 9 ملايين دينار، قرار خاطئ ولا يأتي في سياقه الصحيح، وكان الأجدى إعادة جدولتها بشكل مريح يمكن البلديات من تسديدها خلال فترة محددة، كما هو قرار اعادة جدولة ديون شركة الكهرباء على البلديات وليس الغاءها.
أي مجلس بلدي حالي بالضرورة ليس مسؤولا عن حجم المديونية على مؤسسته المحلية، كون قصة الديون قديمة وهي حصيلة سنوات من تعاقب المجالس البلدية، فلا يوجد مجلس محدد يمكن ان يتحمل المسؤولية عن تردي الوضع المالي وتراكم الديون على أي بلدية، لكن بالضرورة فان هناك ممارسات ادارية خاطئة أدت ببلديات كثيرة في المملكة للوصول الى وضعها المالي الصعب.
اعتقد ان إعفاء ديون بلديات من مستحقات المالية العامة، كان يحتاج الى دراسة أعمق وأشمل، تتضمن دراسة واقع هذه البلديات، وما اذا كانت قادرة على تعديل أوضاعها المالية والوصول الى مرحلة الاستقرار في حال إعفائها من هذه الديون، أما اذا كان الإعفاء سيساعد على الاستمرار في العجز وعدم القدرة على تلبية حاجات المناطق والسكان، فإنني أجزم بعدم صواب القرار، لأنه قد يشجع بلديات على اللجوء للاستدانة من جديد لتغطية رواتب موظفيها المتكدسين.
وعندما يتعلق القرار بـ34 بلدية تشكل نسبة 34 % أيضا من عدد البلديات في المملكة، فان القضية تتطلب اعادة النظر بواقع العمل البلدي بشكل عام والذي عانى مؤخرا من مشاكل ادارية كثيرة منها ما يرتبط بوزارة الشؤون البلدية ومنها ما هو متعلق مباشرة بالية ادارة المجلس المنتخب لهذه المؤسسات التي يفترض أنها «خدمية».
لا يخفى على احد، بان هناك ممارسات وقرارات خاطئة كثيرة لمجالس بلدية سابقة تسببت في تحميل البلديات مديونية هي بغنى عنها، واعتقد ان التقرير السنوي لديوان المحاسبة لم يخلُ في أي عام من توثيق تجاوزات ادارية ومالية حدثت في بلديات بالمملكة، وكان على الحكومة الرجوع اليها قبل التفكير بإلغاء ديون مستحقة.
مراجعة بسيطة لتقارير ديوان المحاسبة السنوية، كانت ستعطي الحكومة قبل اصدارها قرار الإعفاء، صورة واضحة عن آلية سير الأمور في بلديات معينة طوال سنوات ماضية، فكثير من الضغط المالي على البلديات كان سببه ممارسات ادارية ومالية خاطئة لرؤساء بلديات سابقين، بل أحيانا تجد توثيقا لتجاوزات تحتاج الى التحقيق فيها كونها تشكل شبهات فساد، الا أن أحدا لم يكلف نفسه عناء البحث والتمحيص فيها.
انتهى عصر الإعفاءات، فالبلدية مثل المواطن الأردني الذي لا يمكن أن تعفيه الحكومة من دينار واحد مستحق عليه، واذا حصل أي إعفاء يكون بعد دراسة وتمحيص وتقصٍّ وبحث ومراجعات وموافقات، في حين فجأة يتم إعفاء مؤسسات مستقلة ماليا واداريا من أكثر من تسعة ملايين دينار من المال العام.
قصة البلديات في المملكة وتعثرها لا تعامل بـ «القطعة»، بل تحتاج الى دراسة عامة وشاملة يتم بعدها اتخاذ القرارات التي تضمن تحسين دورها وتقديمها الخدمات الحقيقية للمواطنين، أما أن يتم انعاشها من وقت لآخر ولمدد محددة على حساب جيوب المواطنين، فهو أمر غير صائب.