حادثة زرقاء ماعين ..كم من الارواح تزهق فقط لمجرد الاهمال وغياب المساءلة
جو 24 :
كتب احمد الحراسيس - لا يملك اي طرف ان يتنصل من مسؤولياته تجاه ما حدث في وادي زرقاء ماعين، فالوزر يتحمله كافة الاطراف ، ومن غير المنصف ان يجري تحميل الحلقة الاضعف -المدرسة الخاصة- كامل المسؤولية.
صحيح ان القضاء والقدر لا راد لهما، ولكن على الاقل لو قام كل مسؤول بواجبه لتجنبنا الكثير من الحوادث التي يذهب ضحيتها الابرياء. وهنا وفي ظرف من هذا النوع، يتعاظم دور التكاملية في العمل بين جميع الجهات الرسمية ذات العلاقة، فلو قامت وزارة الاشغال بدورها الاشرافي على العطاءات كما يجب، ولو كان لديها فرق ميدانية تحرص على صيانة الطرق والجسور اولا باول، وتغلق المتهالك منها لحين اجراء الصيانة والتأهيل اللازم لها، لما وقعنا في المحذور، ولو قامت وزارة التربية بعملها بشكل حرفي لما خرجت الرحلة في هذا الوقت من السنة، ولو منع رجال الامن جميع الحافلات والمركبات من التوجه الى منطقة الوادي الخطر فور تساقط الامطار، لجنبنا انفسنا هذا الالم، ولو كان هناك مساءلة ومحاسبة لاختلف الامر رأسا على عقب... لا نريد باسئلتنا الكثيرة ان نفتح عمل الشيطان، وانما هي محاولة لتجنب الوقوع بمزيد من الاخطاء القاتلة.
المشهد الاكثر ايلاما ..
فبينما ذوو الطلبة والضحايا يبحثون ويسألون ويحتجون على عدم السماح لهم بالتعرف على جثامين ابنائهم في مستشفى البشير ، في هذا الوقت الحرج ، الذي تسببت الاجراءات الحكومية العقيمة فيه ، بالتقاء اخطر مركبين مدمرين داخل اي انسان (الالم الشديد، الحنق)، كان رئيس الوزراء عمر الرزاز منشغلا في التواصل مع جمهوره في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ليغرّد ويبرئ نفسه وحكومته من المسؤولية ويلقيها على المدرسة التي سيّرت الرحلة، وذلك في مشهد ربما لا يحدث إلا في جمهوريات الموز!
نعم، قام الرئيس بزيارة الموقع، ولكن نظن ان هذا لا يعني شيئا ما دام الامر سيمر دون محاسبة الجهات المقصرة.
نشر كتاب موافقة الوزارة
لا نعلم من الذي أشار على الرزاز أن يبادر لنشر موافقة الوزارة على الرحلة وقد وضع دائرة على كلمة "الأزرق" في الموافقة، في تهرب واضح من المسؤولية وتحريض على المدرسة وادارتها، ليتبين لاحقا أن الخطأ من وزارة التربية والتعليم وأن المدرسة لم تخدع أحدا كما حاول الرئيس أن يظهرها..
اخطاء الرزاز في النشر انضوت على ثلاثة محاور رئيسة؛ التهرب من المسؤولية مبكرا، التحريض على المدرسة وادارتها، وكشف عدم احترامه مشاعر ذوي الضحايا وأن همّه الأول هو الحفاظ على سمعته وصورته التي حاول ترميمها في تغريدات كثيرة.
مسؤولية وزارة التربية
من غير المقبول أيضا أن يُسارع وزير التربية في التهرب من مسؤولياته الأدبية والأخلاقية والسياسية، ومن المؤسف أن يُبادر الوزير لالقاء اللوم على المدرسة وتبرئة نفسه والحكومة، وهو ذات الخطأ الذي ارتكبه الرزاز، لكن الأغرب هو عدم علم الوزير الذي يحمل حقيبتي التربية والتعليم والتعليم العالي بأن منطقة وادي الأزرق تختلف عن منطقة الأزرق!
وأما الأمر الاخر فهو متعلق بموافقة الوزارة على تسيير رحلات مدرسية في هذه الظروف الجوية وبالرغم من تحذيرات دائرة الأرصاد الجوية المتكررة، كما أن مسؤولية الوزارة تقتضي التعميم على المدارس بتعليق تسيير الرحلات نظرا للظروف الجوية الراهنة في ذلك اليوم.
وزارة الأشغال
لا نعلم لماذا تلتزم وزارة الأشغال الصمت على أوضاع الطرقات الرئيسة والجسور لحين وقوع كارثة كي تتحرك وتعاين الجسور والطرقات؟ لماذا لا تملك الوزارة تقارير مفصلة وشاملة حول أوضاع الجسور والطرقات العامة ومدى حاجتها للصيانة؟! ألا تقتضي المسؤولية الأخلاقية من وزير الأشغال العامة والاسكان تقديم استقالته احتراما لأرواح الشهداء؟!
الأمن العام
مواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثاروا تساؤلا مهما حول دور الأمن العام ومسؤوليته في الحادثة؛ إذ من غير المعقول أن حافلة الرحلة المدرسية لم تُصادف أي دورية خارجية تتحقق من امتلاك المدرسة تصريحا صحيحا للرحلة التي وافقت وزارة التربية على أن تكون إلى "الأزرق" بينما تسلك طريق البحر الميت؟ ماذا لو أنها كانت مدرسة معتادة على مخالفة التعليمات ولا تحترمها، ألا يُفترض بالدوريات الخارجية أن توقف هذه الحافلة وتمنعها من اكمال مسيرها لوجود خطأ في التصريح؟! او لوجود خطر من تشكل السيول والانجرافات في المنطقة التي ينوي الباص او اية مركبة اخرى التوجه اليها ؟ لماذا لم تغلق الدوريات الخارجية الطرق المؤدية الى الوادي وهي تعرف ان هناك احتمالية كبيرة لتشكل السيول والانجرافات في هذه المنطقة وغيرها ؟
نعم ، مسؤولية الأمن منع التنزه في المناطق الخطرة مثل مجاري السيول، وهذه قرارات احترازية يفترض ان تتخذ بعد عمليات مسح تحدد فيها المناطق الخطرة .
الدفاع المدني..وسؤال الجاهزية و الاليات المستخدمة بعمليات الانقاذ
لا يمكن لأحدنا أن ينكر جهود كوادر المديرية العامة للدفاع المدني في عمليات الانقاذ، ولعلّه الجهاز الحكومي الأكثر فاعلية وانضباطا والتزاما بالقواعد والاجراءات لحماية الارواح وتقديم المساعدة ، لكن السؤال هنا متعلق بحجم الدعم لهذه المؤسسة الوطنية؛ فهل من المعقول أن هذا الجهاز لا يملك حتى وقتنا هذا طائرات عامودية للانقاذ ونقل المصابين وأن يبقى مرتهنا بانتظار الموافقات لاستخدام الطائرات؟ وماذا عن التمارين الوهمية التي يخضع لها منتسبو الجهاز، هل تتضمن مثل هذه الحوادث أم أنها مقتصرة على حوادث في "ظروف مثالية"؟ هل يخضع الغطاسون لتدريبات كافية وتؤهلهم للقيام بواجبهم على أفضل وجه؟!
مسؤولية المدرسة
بالتأكيد لا يمكن تبرئة المدرسة من المسؤولية حتى لو كانت حصلت على الموافقات الرسمية للرحلة، فالأصل بادارة المدرسة تعليق الرحلة أو تغيير برنامجها في ظلّ الظروف الجوية السائدة، فلا يمكن لعاقل أن يغامر بتحدي الطبيعة! لماذا لم تصدر ادارة المدرسة أوامرها للحافلة بالعودة وتأجيل موعد الرحلة إلى وقت اخر؟ هل تعتبر تحصيل رسوم الرحلة (30 دينارا) أولى من سلامة الطلبة؟ وهل فعلا حصلت المدرسة على انذار سابق بسبب مخالفتها تعليمات الرحلات المدرسية قبل أربع سنوات؟!
لجنة الرزاز
الرزاز وبعد صدمة التنصل من مسؤولياته الأخلاقية، وبعد تحريضه على المدرسة وادارتها، ذهب إلى أبعد من ذلك بتشكيله لجنة وزارية لتقديم تقرير حول جميع التفاصيل المتعلقة بالحادثة، والغريب في الأمر أن اللجنة ضمّت في عضويتها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، ووزير الأشغال العامة والاسكان، ووزير الداخلية، وهم الثلاثة الذين يتحملون مسؤولية أخلاقية كبيرة في هذا الحادث!
أمانة عمان
في كلّ تلك الأحداث، تبادر إلى أذهاننا على الفور أحوال العاصمة عمان في الشتوة الأولى، فلقد غرقت بعض مناطق العاصمة بالرغم من الاستعدادات التي زعمت الأمانة أنها اتخذتها، وربما لو طال أمد الهطول المطري دقائق قليلة لرأينا كارثة في بعض المناطق.. أم أن أحدا يجب أن يموت لكي تتحرك الأمانة ويتحرك رئيس الوزراء من أجل تصويب الأوضاع؟!
المطلوب من الحكومة اليوم هو تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية والمهنية وأن يتم مساءلة كلّ صاحب سلطة فيها، وأن يتحمّل كل شخص في الحكومة مسؤولياته ويقدّم استقالته، وأن يُعاد النظر بأسس توزير الأشخاص وتوزيع المواقع القيادية..