مقالة الملك ليست دعوة لتغليظ العقوبات والتوسع في التوقيف
جو 24 :
كتب باسل العكور -
السجال الذي يدور على شبكات التواصل الاجتماعي يعكس بدقة متناهية التباينات في الاراء وردود الفعل والاتجاهات ومستويات الوعي والادراك لدى الافراد في المجتمع، وهذا امر لا يمكن قياسه في يومنا هذا الا من خلال الوسائل نفسها، فلقد اصبحت هي الباروميتر الاكثر دقة في قياس اتجاهات الرأي العام، ويستطيع علماء الاجتماع بكل موضوعية قراءة المزاج العام وحصر وتصنيف وتبويب الاسباب والدوافع ودلالات هذه التباينات وانعكاساتها وتقديم هذه النتائج لصناع القرار، وطبعا هذا لا يحدث في عالمنا العربي المنكوب بنخبه.
المشكلة الرئيسة ان هناك من يعتقد ان تغليظ العقوبات سيمنع موجات التشكيك والتيئيس والتأليب والاستهداف واغتيال الشخصيات العامة او الخاصة، وهذه كلها مظاهر تجلي الازمة وبروز اثارها على السطح بطرائق واشكال مختلفة ،اما عن جوهر الازمة الحقيقية وقوامها فهي ازمة ثقة عميقة بالسلطات، وهذا الباب الذي يجب على اصحاب القرار ان يكرسوا جل وقتهم لمعالجته من جذوره، وهنا فقط نستطيع ان نحدث الفرق ونتجنب كل السلبيات التي تعج بها منصات التواصل الاجتماعي.
الملك عبدالله الثاني في مقالته المعنونة بـ (منصات التواصل ام التناحر الاجتماعي؟)، كان متوازنا في تعاطيه مع هذا التباين في مضامين السجالات على الشبكة العنكبوتية، وبالرغم من ان البعض فهمها -وهذه مخاوف لها ما يبررها- أنها دعوة لتغليظ العقوبات على اولئك الذين ينشرون الشائعات التي تستهدف معنوبات الاردنيين وخلخلة ثبات منظومتهم القيمية والاخلاقية وانتمائهم والتزامهم بالمصلحة الوطنية العليا للدولة، الا ان الملك في مقالته قال بصريح العبارة "اننا بحاجة للموازنة بين حرية التعبير الحق الذي نحرص عليه وبين حقوق واولويات في غاية الاهمية لاستقرار وعافية مجتمعنا ". وحديث الملك عن تطوير التشريعات لا يجوز -ومن غير العادل- ان يفسر من قبل المتربصين بالحريات العامة وهؤلاء كثر في السلطتين التنفيذية والتشريعية على انها دعوة للغلو في اضافة عقوبات مغلظة في التشريعات ، والمضي في توقيف المواطنين جراء ابدائهم لارائهم في شبكات التواصل ..
وفي ذات السياق تحدث الملك عن احترامه للنقد البناء النابع من الحرص على الوطن ومؤسساته والمُطالب بتحديد المسؤوليات في حادثة البحر الميت وفي غيرها، ومايزا وبين هبين اولئك الذين يصطادون في الماء العكر، ويمارسون التضليل، ويحاولون ضرب النسيج الاجتماعي، و اشعال فتيل الفتنة والتناحر بين مكونات المجتمع، وبذلك فهو يضع المسألة في نصابها الصحيح، وعليه لا يجوز ان نختار الجانب المعتم ونسلط الضوء عليه بانتقائية مستهجنة وهذا ما يفعله الكثير من المزاودين و المتقولين، ونتجاهل الجوانب المشرقة والحوارات الجادة والبناءة والضرورية التي يمارس من خلالها الناس حقهم في التعبير والرقابة على اداء المسؤولين.
واما عن اليات مواجهة الشائعات والاكاذيب فلا تكون الا بالحقيقة وانسياب المعلومة، وهذا بالضبط التشخيص الذي قدمه الملك لمواجهة تلك الشائعات، ويمكننا اعتبار ما قاله الملك في هذا السياق رسالة مباشرة للحكومة التي عليها ان تزود الرأي العام بالمعلومات الدقيقة بكل شفافية ودون تباطؤ، وذلك لتدحض الشائعات وتبدد اثرها الهدام.. وهناك ايضا رسالة اخرى وجهت للحكومة في المقالة مفادها ان على الحكومة الوقوف على اوجه الخلل والتقصير ومحاسبة كل من تثبت مسؤوليته عن فاجعة البحر الميت، فهل تلتقط حكومة الرزاز هذه الرسائل، ام انها ستلاقي ذات المصير الذي انتهت اليه الرسائل الملكية التي تضمنتها خطابات ورسائل الملك السبع السابقة؟.
بالعدالة و الشفافية ومكافحة الفساد والمساءلة فقط ، نحصن جبهتنا الداخلية ،ونفوت الفرصة على اولئك المتربصين بالوطن ونسيجه الاجتماعي.