بين قانون الضريبة وقانون الاستثمار لعام 2016
محمود أبو هلال
جو 24 :
بعد رفع الدعم عن الخبز وفرض ضرائب متتالية على المحروقات والطاقة تم دحر الطبقة العليا من الطبقة الوسطى نحو الأدنى وزاد الحال سوءا بين الشرائح الفقيرة وتلك التي تنتمي إلى الطبقات الدنيا من الطبقة الوسطى.
الآن وبعد إقرار قانون الضريبة أصبح الوضع أكثر ضبابية وأقل وضوحا. وكمحاولة لفهم ما يجري كان علينا وضع قانون الضريبة وما سبقه من قوانين جبائية في الأعوام الأخيرة، مقابل قانون الاستثمار الذي تم اقراره قبل عامين.
للتذكير سنعرض بعض النقاط المرعبة التي جاءت في قانون الاستثمار عام 2016 ونترك لكم فسحة بمقارنتها بقانون الضريبة، وجملة القوانين الجبائية على القطاعات المحلية كافة. وقبل أن نأتي على بعض نقاط قانون الاستثمار لعام 2016 لا بد وأن نُذكر بطريقة التصويت عليه. وكيف صُوّت بالأغلبية باستثناء الشركات الإسرائيلية من القانون في الجلسة الصباحية! وفي جلسة المساء أعيد التصويت بعد مقترح نيابي يسمح للشركات الأجنبية كافة بالمشاركة في استثمارات الصندوق، حيث أقر القانون بعدم الاستثناء.
قانون الاستثمار 'البلدوزر' الذي جرف وأزاح واستبعد كثيراً من القوانين من خلال تكرار عبارة (بالرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر). ليس ذلك فحسب بل أعطى الصندوق الحق بعدم الأخذ بأي قرارات حكومية مستقبلية أو تشريعات أو تعديلات للقانون تمس حقوقه وامتيازاته وإعفاءاته أو ُتحدث تغييراً فيها. لاحظوا المادة 8 الفقرة ب نصها: "على الرغم مما ورد في قانون الشركات وقانون الأوراق المالية وأي تشريع آخر، يتم إنشاء الشركة بأحكام خاصة تنظم أعمالها وذلك بموجب نظام يصدره مجلس الوزراء لهذه الغاية، ولها أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام".
المادة 14 نصها: "تستثنى حقوق التطوير والاستثمار لأي من المشاريع المنصوص عليها في هذا القانون من أحكام قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص". .. فكيف يسمح بإنشاء شركات دون أن تخضع لقانون الشركات؟! وكيف تكون مساهمة عامة وتطرح أسهمها للاكتتاب دون أن تخضع لقانون هيئة الأوراق المالية؟! وأين هي العدالة مع باقي الشركات في القطاعين العام والخاص.
أما المادة 11 الفقرة (أ)والتي نصها: "يُعفى الصندوق والشركة من الرسوم الجمركية ورسوم الطوابع وأي رسوم أو ضرائب أو بدلات حكومية أخرى بما في ذلك الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة وضريبة الدخل بما في ذلك ضريبة الدخل على الأرباح التي يوزعها الصندوق أو توزعها الشركة على المساهمين". والمادة 11 فقرة (ب): "لا يخضع الصندوق ولا الشركة لأي قرارات حكومية مستقبلية تتعلق بزيادة الضرائب والرسوم مهما كان نوعها"... وهاتان الفقرتان لا مثيل لهما من حيث الأبدية والسرمدية؛ فلم يحدد الإعفاء بفترة زمنية كأول خمسة عشر عاماً أو خمسة وعشرين، وتُرك الإعفاء إلى يوم البعث!
المصيبة الكبيرة كانت في المادة 10الففقرة (ب) ونصها: "على الرغم على الرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر تُفوِّض الحكومةُ الصندوق بقرار من مجلس الوزراء بحق التصرف والإدارة في أملاك الخزينة والحراج اللازمة لإقامة المشاريع الواردة في حقوق التطوير والاستثمار المشمولة بهذا القانون. والمادة 13 ونصها: "إذا تطلب إنشاء أي مشروع تملك الصندوق أو الشركة لأي عقار وامتنع مالك العقار عن بيع ذلك العقار أو أي جزء منه بسعر عادل فللصندوق أو الشركة الطلب من المجلس استملاك ذلك العقار، فإذا وجد المجلس أن ذلك العقار ضروري لإنشاء المشروع يقرر التوصية إلى مجلس الوزراء الموافقة على استملاك ذلك العقار أو الجزء اللازم منه لمصلحة الصندوق أو الشركة باعتبار أن إنشاء المشروع يحقق النفع العام بالمعنى المقصود في قانون الاستملاك"...
وهاتان الفقرتان تعدان سطواً غير مسلح، ليس فقط على الأراضي الأميرية بل حتى على الملكيات الخاصة بإجبار مالكيها على البيع رغم أنوفهم بذريعة المنفعة العامة!.
أمام هذا الاصرار الغريب من قبل الحكومة على فرض القانونين، لا يمكننا فصلهما عن بعضهما، ويحق لنا أن نسأل: كيف يمكن للمصانع والشركات المحلية التي كبلها قانون الضريبة، أن تصمد أمام الشركات القادمة المتسلحة والمتدرّعة بتشريع وقانون أعطاها امتيازات لم تخطر على بال بشر؟. وهل ستضطر الشركات والمصانع المحلية أن تغلق أبوابها أو أن تبيع نفسها للشركات القادمة يثمن بخس؟.
خطابنا ليس تشاؤمياً؛ بل تلك النقاط المرعبة التي أُقرّت في قانون الاستثمار، وجملة الأحداث المحيطة التي تبعث على الريبة وتثير التساؤلات التي تفضي للشكوك. فلكم أن تقارنوا بين حاجة الدّولة إلى المداخيل، وحجم التنازل عن مصادرها لصالح الاستثمار الأجنبي. وإثقال كاهل المصانع والشركات المحلية وتكبيلها بالضرائب، مقابل سخاء حكومي كما في قانون الاستثمار.