بيان المعلمين: العودة والتصعيد
قدّمت نقابة المعلمين أول أمس بياناً شديد اللهجة، معطوفاً على القول بوجود وعود لممثليها وقعها رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، يقضي الاتفاق المشار إليه في البيان أن» يخرج بموجبه المعلم من منحى التوزيع الطبيعي لديوان الخدمة المدنية في التقييم السنوي لأداء الموظف» ويكون و»مقدِّمة لبناء نظام مهني خاص يطبق على المعلمين».
هكذا برر المعلمون غضبتهم، أو لهذا غضبوا، كون الرئيس لم يستطع بعد التفكير ان يستثني احدا من العدالة في التقييم، فجاء البيان ممجدا لسدنة الحروف الذين يستحقون التمجيد، ومتكئاً على عصا التاريخ والادب، ومبتعدا عن الرغبة بالتهدئة، فهو يشفُ عن تصعيدٍ جليٍ لا تخفيه غرابيل الدوار الرابع، الذي لا شك أنه يحسب حساباته إذا ما نفذ المعلمون ما قالوه.
فالبيان قليل الود، كثير العتب، لكنه مهما يكن مشحوناً، على نقض ما سموه بالوعد او الاتفاق الذي وقعه الرزاز لهم، إلا أنه لا يبرر ما ذهبت إليه النقابة من تهويل وتوصيف للرئيس ونهجه، كما أنه لا يبرر الاتفاق على انفراد مع الرئيس بمعزل عن بقية موظفي الدولة.
أخطر ما في البيان محتواه، ولغته التي جاءت مغايرة لسياقات المهنة التي ينتمي إليها المعلمون، وهي لغة التعليم والإرشاد والوطنية، التي قالوا أنهم سدنتها، والتي من المفترض أنها تتسامى عل كل الخطوب، ولا تقف عند اللحظات العابرة او للااتفاق.
كان أجدى بالنقابة التي ناصرنا وجودها ودوماً ندافع عنها، وحتى اليوم، أن تنصرف لجهد التعليم وتطوير مهنته، وقد يقول الكثيرون بهذا الكلام، لكن للإنصاف إن مهنة التعليم وظروف المعلمين تحتاج إلى نظرة تقييم عادلة تنتشل المعلمين من واقعهم الراهن، ونحن مع تحسين ظروفهم ومع رفع اجورهم، وكذلك ضد وضع كل موظفي الدولة بسلة تقييم واحدة، لأن لكل مهنة ظروفها وبيئتها.
لكن للإنصاف أيضاً، فإن النقابة باللغة التي صدر بها البيان هي تفقد حليفاً رئيساً لها، وهو رئيس الحكومة الذي ينحاز لمهنة التعليم ويقدرها بشكل كبير، وحتى لو كان هناك عدول عن رأي او وعد، فإن لغة الحوار الراقية هي التي يجب أن تسود.
لا سبيل للمعلمين للتصعيد وطنياً، ما دام الهدف هو مطالب مهنية، لكن التصرف بغضب قد يجعل الشعب الذي هو حليف اساسي للمعلمين في حالة غضب ورفض لأي تصعيد. وهنا لا بد من العقلاء الذين يسهمون في العودة لطاولة الحوار بين الحكومة والنقابة.
إن الراهن العام لا يشجع على العودة للشارع، ولكن العودة تظل أيضاً ممكنة إذا ما اخفقت الحكومة في تحسين ظروف الناس، وخاصة أنها حققت جولة انتصار باقرار قانون ضريبة الدخل، وهنا لا بد لها أيضا أن تستجيب لأي مطالب عادلة ومنطقية للنقابة.
لا لشيطنة النقابة، ولا لتجاهل المطالب، لكن الجميع يجب أن يكون مع العدالة والمساواة، ومع الوصول إلى كلمة سواء بين طرفي المعادلة، لكن الاجماع كبير أيضاً على أن ظروف البلد لا تسمح للعودة للفوضى ولا التلويح بورقة الشارع، فالمعطيات اليوم عند الحكومة مختلفة عما سبق.
أخيراً، قد تنجح أي جماعة بالاجتماع في الشارع العام أو التهديد بالعودة إليه، لكن المجال العام يظل ملكاً للدولة، لذلك فالظروف المهنية وتحسينها تظل عنوان النقابة، وجودة التعليم وتحسين الدخل وايجاد نظام تقييم خاص لمهنة التعليم، كل ذلك مسؤولية الوزارة والحكومة مجتمعة.