هل تُدخل إدارة ترامب «الجولان المحتل» في «صفقة القرن»؟
سعت حكومة اليمين والمتطرف في إسرائيل، إلى استغلال سنوات الأزمة السورية العجاف السبع، لتكريس و»شرعنة» ضمها لهضبة الجولان السورية المحتلة (14 نوفمبر 1981)، وعملت دبلوماسيتها وأذرعتها الضاغطة في واشنطن وعواصم عالمية، على انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بهذا القرار التوسعي، بيد أنها لم تفلح في ذلك، وظل العالم برمته، يعترف بـ»سورية الجولان»، عبر سلسلة من القرارات المتعاقبة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، وغيرهما من المحافل الدولية.
بيد أن إسرائيل اليوم، ومع وجود إدارة يمينية تتبنى بالكامل رواية اليمين الإسرائيلي للصراع العربي – الإسرائيلي، تجد الفرصة متاحة تماماً أمامها لتجديد مساعيها، أقله لانتزاع اعتراف أمريكي بقرار ضم الجولان، على غرار القرار الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها ... وكان لافتاً، أن السفيرة نيكي هيلي، المعروفة بمواقفها المؤيدة بحماس لإسرائيل، والمعادية بقوة للقضايا والحقوق الفلسطينية والعربية، صوتت ضد قرار «روتيني» يصدر سنوياً عن الأمم المتحدة، يدين ضم إسرائيل للهضبة السورية، باعتبار الجولان أرضاً محتلة، مشمولةً بالقرارات الدولية، وخصوصاً القرارين 242 و338.
هي سابقة في اتجاهات التصويت الأمريكي على قرار من هذا النوع، وهي مؤشر على تغير في موقف إدارة ترامب من مستقبل الهضبة السورية ... ولا يهم إن كانت أمريكا قد وجدت نفسها معزولة إلى جانب إسرائيل، بالضد من إرادة 151 دولة، صوتت لصالح إدانة الضم (امتناع 14 دولة عن التصويت)، فالقرار الأمريكي بشأن القدس، صدر بالضد من إرادة المجتمع الدولية، والغالبية الأعظم من الدول الأعضاء في المنتظم الدولي.
وكانت مصادر وتسريبات قد كشفت في السنوات السابقة، عن رغبة إسرائيلية، في استغلال فرصة وجود إدارة منحازة لليمين الإسرائيلي، لاستصدار اعتراف أمريكي بضم الجولان، وأضافت المصادر في حينها، بأن حكومة نتنياهو فاتحت إدارة ترامب، بأمر كهذا، دون أن تُعرف ردة الفعل الأمريكية على الطلب الإسرائيلي، إلى أن جاء التصويت في المنظمة الدولية، ليكشف عن توجه انقلابي في الموقف الأمريكي.
في تفسير التفاؤل الإسرائيلي بإمكانية نجاح تل أبيب في مسعاها هذا لدى واشنطن، نعتقد أن تل أبيب تراهن على أمرين اثنين، واحد معلن والثاني مستتر، الرهان المعلن، أن هذه الإدارة تكاد تكون تبنت، ومن دون شروط، كامل المطالب الإسرائيلية في الحل النهائي للقضية الفلسطينية، فلماذا لا تتبنى المطالب الإسرائيلية المتعلقة بالصراع مع سوريا: ضم الجولان ... أما الرهان المستتر، فهو أن هذه الإدارة، التي ترفع سقف المواجهة مع موسكو وكل من طهران ودمشق، قد تجد في خطوة كهذه، أمراً مقبولاً وإن من باب إضعاف النظام في دمشق، أو استغلال لحظة ضعفه لإغلاق هذا الملف، وطي صفحة ما أسمي بـ «وديعة رابين»، والتي تعهد فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق بالانسحاب من الجولان نظير سلام شامل مع سوريا، قبل أن تتعقد المفاوضات إثر الانتخابات في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
ونضيف إلى هذين العاملين، عاملاً ثالثاً، ما زال في «علم الغيب»، إذ ربما يرد بخاطر ترامب وإدارة تشجيع إسرائيل على الانسحاب أو إعادة الانتشار، من مناطق في الضفة الغربية، من دون القدس والغور وغرب الجدار العنصري، لتكون «مجالاً حيوياً» لكيان فلسطيني، «أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي» ... مثل هذا الطلب، قد تنظر إسرائيل بوصفه نوعاً من «التنازلات المؤلمة» التي يتعين تعويضها عليه، ليس فقط بصفقات تسلح ومساعدات اقتصادية فلكية إضافية كما جرت العادة كل مرة، بل وبجائزة ترضية بحجم الجولان السوري.
لسنا متأكدين بعد مما إذا كان ترامب سيوافق فعلياً على ضم الجولان إلى «صفقة القرن» أم لا، بيد أننا لا نستبعد في ظل سلوكه القديم والجديد، وتحديداً ما جرى قبل أيام في الأمم المتحدة، أن تحيل هذه الإدارة الجولان السوري إلى «جائزة ترضية» لحكومة اليمين واليمين المتطرف بزعامة نتنياهو.