على جدول أعمال الجنرال القادم من مديريّة الدرك
كتب تامر خرمه
الجنرال توفيق الطوالبة بات مديرا للأمن العام بعد توزير المدير السابق للجهاز حسين هزاع المجالي، ولكن هل سيدير الطوالبة هذا الجهاز بصورة تختلف عن تلك التي كانت تنظم عمل قوّات الدرك ؟! خاصة وأن "الامن العام" يختلف تماماً في مهامّه واهدافه، ويحتاج إلى كثير من التطوير والتحسين للارتقاء بمستوى الخدمة التي يقدّمها للجمهور، من خلال ترجمة شعار "الشرطة في خدمة الشعب" بكلّ ما يعنيه من دلالة..
التجاوزات المؤسفة التي شهدها جهاز الأمن العام في الآونة الأخيرة، من استخدام للقوة غير المبرّرة في التعامل مع الفعاليّات الاحتجاجية السلميّة، التي بلغت في قسوتها درجة أسفرت عن مقتل المواطن خيري جميل خلال الاعتداء على فعاليّة 24- آذار، وإصابة المواطن جلال الأشقر بالشلل، إثر استخدام القوّة المفرطة في قمع "مسيرة العودة"، وكذلك حالات التعذيب التي شهدتها السجون ومراكز التوقيف، والتي وصلت أيضاً إلى درجة تسبّبت في وفاة المواطن سلطان خطاطبة، وملاحقة نشطاء الحراك وتحويلهم إلى المحاكم العسكريّة بتهمة "تقويض النظام"، بسبب يافطة أو شعار لم يتجاوز تأثيره حدود حريّة الرأي والتعبير، وغير ذلك من التجاوزات والانتهاكات التي يندى لها الجبين، جعلت من من جهاز الأمن العام أداة لتحقيق النقيض المطلق للاهداف التي من أجلها أنشئ هذا الجهاز.. فهل يتمكّن الجنرال القادم من مديريّة الدرك من إعادة ترجمة مفهوم "الأمن" بمعناه الحقيقي ؟!
كما أن الفترة السابقة شهدت مظاهر غريبة جسّدتها الحملات الأمنيّة التي تماهت تماماً مع أفلام الغرب الأمريكي، لتعيد إنتاج ذات المشاهد الخياليّة على أرض الواقع في هذا البلد الذي يتحلّى أهله ببساطة الريف وطيبة المخيّم وشهامة البادية !
ترى.. هل سينجح الجنرال الطوالبة في الحفاظ على "الأمن والامان" دون الحاجة إلى ترويع الناس عبر المبالغة بالمداهمات والحملات الأمنيّة واستخدام مفردات توحي بان حربا تدور في الأزقّة ضد "عصابات الأشرار" وغزاة الفضاء ؟! وهل يمكن لأفراد الأمن العام في الأيّام المقبلة إلقاء القبض على لصّ أو مهرّب دون اللجوء إلى تلك المظاهر التي توحي بعسكرة الدولة ؟!
مجرّد أسئلة تفرض نفسها في هذه المرحلة البالغة الحساسيّة، ولا ندري كيف سيترجم الجنرال إجاباتها في قادمات الأيّام، ولكن قد يكون من المفيد قليلاً قراءة المرحلة السابقة، التي شهدت تعذيب بل ومقتل مواطنين على يد من يفترض بهم حماية الناس وضمان أمنهم.. ناهيك عن دم الشرطي أحمد الصبيحي الذي يحاول البعض دفنه في غياهب النسيان وتجاهل حرقة والديه !! وما آلت إليه الأمور نتيجة تلك السياسات التي كرّست العنف وأدّت إلى استشهاد الطالب أسامة دهيسات داخل الحرم الجامعي !! فهل سنشهد في يوم ما محاسبة من يقوم بمثل هذه التجاوزات المؤسفة ؟
الغريب أن "الناس" الذين انشئ من أجلهم هذا الجهاز مازالوا يمثّلون الهدف المتجسّد أمام مرتّبات الأمن، ولكن بالمعنى المختلف لذات المصطلح، وربّما تكون كلمة استهداف هي الأنسب هنا للتعبير عمّا آلت إليه الأمور.. ولا نعني استهداف المواطنين بالقمع والسياسات البوليسيّة فحسب، بل بات المواطن في نظر البعض مجرّد صرّة نقود ينبغي تصيّدها بشتى الطرق والأساليب الممكنة وربّما غير الممكنة أيضاً، عبر نصب الأفخاخ وكاميرات المراقبة في كل شارع و"حارة"، لجباية أكبر قدر ممكن من عائدات المخالفات، لدرجة تبدو فيها قيمة المخالفة الماليّة وكأنّها الهدف الوحيد من هذه الحملات، وليس فرض القانون كما هو الأصل في مخالفات السير.
منطق الأمور يستوجب مخالفة كلّ من لا يلتزم بتطبيق قوانين السير، ولكن وجود حملة منظّمة، لا تدّخر أيّة وسيلة لحصد أكبر قدر ممكن من عوائد المخالفات، يثير العديد من علامات الاستفهام.. وهنا لا بد من استبدال مفردة "الاستهداف" بكلمة "الهدف"، فهي الأنسب للتعبير عن سياسة حلّ مشاكل الإنفاق عبر اللجوء إلى جيوب المواطنين، عوضاً عن كون العقوبة وسيلة للردع وفرض القانون.
الإنسان هو الغاية.. هذا ما ترجمه جهاز الأمن العام خلال الفترة الماضية، ولكن بطريقة خاصّة وغريبة، حتى بات المواطن يشعر وكأنّه عدوّ للدولة.. فهل حقّا يجري العمل على تصحيح الوضع القائم قبل فوات الأوان، أم أنّنا نشهد إعادة إنتاج الدولة البوليسيّة بمعناها الكلاسيكي الذي بات من مستحثّات اللّغة ؟!