حران زريقات: الطبيب المثقل بعروبته
كلما زرت مستشفى الأردن، تذكرت الراحل المرحوم الحكيم حران زريقات الذي غادر الدنيا في أيار عام 2016، فكلما وصلت هناك اتذكر سر تعلق الراحل بقول الشنفرى:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
هل هي العزلة المطلوبة، أم هي الرغبة بالوحدة، للراحل الذي كان غاية في النبل والطيب والدماثة، والذي رحل من عالم الوجود وبقي ذكره، وحُسن خلقة وسيرته الناصعة، وهو الذي كان يقر بحاجة الطبيب للأدب ويرى أن ابتعاد الأطباء عن القراءة والمطالعة نتائجه تكون سلبية في مهاراتهم الاتصالية.
هو شخصية مركبة من الطبيب والجراح القلب والمزارع المثابر والمثقف، وراعي البسطاء الذي لم يفصله علاج الكثير من السياسيين والرؤساء، عن الفقراء، تلك سيرة خلفها شخصية رجل سياسة ومثقف ينهل من الشعر العربي قبل الإسلام أكثر مما يقرأ في الطب.
مكتبته ثرية بكتب الحديث والأدب والفقه، والذاكرة كانت تتمحور عقدتها عنده في حقبة ما بعد النكسة وصولا للعام 1970 في الأردن، كان يتذكر عمان العام 1948 حين أفاقت على صدى النكبة المريرة: «كنا ساكنين في شارع خرفان ببيت من غرفة واحدة ومغارة وكانت المغارة جزء من الاستقبال».
العام1950 رحلت الأسرة لجبل الحسين قبل أن يتوشح وجه الجبل بخاصرة الشتات والمخيم واللجوء وهناك درس في كلية الحسين، وبعدها انتقل لمدرسة رغدان ومن ثمّ عاد في الرابع الثانوي والخامس الثانوي لكلية الحسين ليتخرج منها في المترك.
طفولته الحقيقية كانت في مدرسة رغدان «كانت فترة جميلة وفيها حراك سياسي كان أواسط الخمسينيات» أما زملاؤه في مراحل الدراسة فعديدون ومنهم سامي قموه وغالب زريقات ومنذر حدادين.
أساتذته الذين اثروا به، مصطفى الحسن «تعلمنا منه عشق اللغة» وفي الرياضة خالد الطاهر، ووليد مورلي في الانجليزي، لكن الفريد منهم محمود العابدي» كان عظيما ومثقفا هو مؤلف وأعظم مربي، إذ فتح عيوننا على العالم».
مبكرا ولج الحزبية، دخل البعث وعمره 14 عاما، حدث ذلك في عجلون يقول رحمه الله» كانت عملية سرية طلعت مع سلطي مزاهرة ومحمد فريد الصمادي وحلفنا يمين ورددنا قسم الحزب في الشارع الرابط بين مستشفى الايمان حاليا –المعمداني سابقا – وعجلون».
آمن بفكر البعث، متأثرا بالتاريخ والثقافة العربية، ومثل هذه الأجواء جعلت حلمه وهو صغير بأن يصبح عسكريا، ففي الصف الخامس سالته المعلمة love green ماذا تريد أن تكون عندما تكبر فأجاب انه يريد أن يكون عسكريا ليطرد الاستعمار الانجلو اميركي.
سيرته لا تشير إلى حكيم، بل لسيد حزب، ورجل مبادئ، لكن في هذه الخلطة يبدو سر نجاحه، بعد المترك طُلب للابتعاث في وزارة التربية، كان الأول على اللواء ووزير التربية محمد علي الجعبري أصر على أن يبتعثه لدراسة الرياضيات، فذهب لبيروت على حساب النقطة الرابعة( برنامج المساعدات الأميركي).
في بيروت ظل على انتمائه القومي «كان علي السحيمات ابو معن مسؤلي التنظيمي». وهناك تعلم أكثر في السياسية «في مطعم فيصل الذي كان ملتقى السياسيين العرب رحنا لبيروت رعيان وبيروت هذبتنا وعلمنا عبد العزيز الدوري وقسطنطين زريق واذكر نزار قباني عندما ألقى سنة 1958 قصيدته الحب والبترول واذكر الرئيس نهروا عندما ألقى محاضرة في الجامعة».
عاد للجيش بعد أن أتم الدراسة، لتكون بداية الخدمة في مستشفى ماركا ومن ثم بسلاح الجو وفي 1967 ، رقمه العسكرية 4739 ورقمه بالحزب 1089 ، والنكسة شكلت الحزن الأكبر في ذاكرته، ليعمل بعد العام 1967 مع حركة فتح «كانت حركتهم صعبة وإمكانياتهم قليلة وكنت انقل المقاتلين بسيارتي من محل لمحل»
انجز الراحل الكثير، ترك فينا سيرته ونبله وغادر حبوراً رضياً، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.