ما الذى يحدث فى بلدنا؟
مالك حداد
جو 24 :
التناول الإعلامى والفيسبوكي لحراك "الدوار الرابع ،، في عمان يثير الاستغراب. الكثير من المواطنين لا يفهمون حقا ما يحدث، ولا يرون الأحداث فى عمان إلا من خلال منظور تأييد ما يسمى "الثورات/الانتفاضات العربية" أو معاداتها والخوف والتخويف منها. الحقيقة أن الكثير منهم أيضا لا يستوعب ما يجرى. ومثلنا تماما، يقع الجميع أسرى للمجموعات متشابهة الفكر منغلقة التفكير فى المجتمع وخصوصا على الفيسبوك، التي يتبادل أعضاؤها نفس المعلومات والصور التي تناسب توجهاتهم ويستبعدون ما غير ذلك، حتى لو ثبت أن هذه المعلومات والصور مختلقة و "مضروبة".
دعونا نفكك المشهد سوياً.
"الدوار الرابع " حركة جماهيرية نشأت على الفيسبوك خارج نطاق مؤسسات النظام السياسى المتعارف عليه، دعى اليه مؤخرا جماعات غير مسيسه معظمها. احتجاجا على اعتزام الحكومة تعديل قانون ضريبة الدخل بضغط من صندوق النقد الدولي كما تم إفهامهم .
اكتسب الحراك زخما كبيرا ومفاجئا مع إقرار رفع الضريبة، واتخذ شكل حشد أسبوعى عند محيط الدوار الرابع مطالبين بإلغاء هذا القانون. ومع اتساع الحراك ازدادت المطالب وتنوعت، ولكنها تركزت على ضرورة اتخاذ قرارات لتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين القدرة الشرائية، وتنشيط التنظيمات الوسيطة، أي الأحزاب السياسية والنقابات العمالية.
مع ازدياد الإعداد ومتابعة ما يأتينا من الخارج على شكل بث مباشر والذي في معظمه يدغدغ عواطف فئة اغلبها من المهمشين زاد في شعبية هذا التحرك الجماهيرى المستقل، وانضمام الفقراء والمهمشين إليه، تحوَل إلى منصة واسعة للتعبير عن مطالب بعضها متناقض ولكنها تجسد معاً حالة واضحة من "غضب المواطنين " تجاه الفقر وضآلة الفرص .
هنا بدأت قيادات الحرس القديم في ركوب الموجة للانتقام من النجاحات المتتالية للرئيس الرزاز على حسابهم وتحجيمه وربما القضاء على مستقبله السياسى، من خلال ترويج الاتهامات إليه بانه من اتباع الليبرالية ،، وأنه رئيس الأثرياء وممثل لوبى المصارف ، او بقلة الخبرة .
وبدأت هذه القيادات في مطالبته من خلال بعض اعوانهم في الحراك وأصوات من خارج البلد بحل البرلمان، أو استقالته، وهى المطالبات التى تلقفتها بعض الجماعات في الدوار الرابع "
ان تضخم( بتشديد الخاء) حراك الرابع يجب على الرئيس ان يشكل خلية أزمة للتعامل مع الأحداث،.
الرئيس ، مثله مثل الرؤساء السابقين وحكوماتهم الذين حاولوا فرض إصلاحات كبرى وتراجعوا عنها تحت ضغوط شعبية، يدفع اليوم ثمن تراكم الإخفاق في تطوير نموذج محدد ومنهجيه واضحة ترضي الشعب الواعي بأغلبيته الساحقة ، كما يدفع ثمن حرصه -كسابقيه- على عدم استعداء مجتمع الأعمال، وتمسكه بتحميل الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا وهشاشة عبء سد عجز الموازنه ، ذلك النموذج مرتفع التكلفة الذى تلتزم فيه الدولة الراعية بتقديم خدمة عامةً للمواطن، من خلال عقد اجتماعى واضح الحقوق والواجبات لكنه يقوم على التفاوض الدائم بين ممثلى الدولة والشعب، وممثلى رجال الأعمال والعمال، بما يضمن التوازن بين الدولة والمجتمع، وأيضا بين مصالح مختلف فئات المجتمع.
في ظل هذه الأزمة السياسية والمجتمعية الحادة والخطيرة، التي تستهدف من وجهة نظرى الطبقة السياسية بأكملها وليس مجرد شخص الرئيس وأسلوبه- يجد الرئيس نفسه -وقد تلقى هذه الضربة الشعبية الموجعة وغير المتوقعة-- فهو إن رضخ لمطالب محدودة سيكون عرضة للابتزاز السياسى والاجتماعي المتواصل بضرورة تقديم المزيد وسيفقد أسلوبه الانفرادى ويضع قدرته على تنفيذ برنامجه -بل مستقبله السياسى-على المحك، وإن لم يقدم هذه التنازلات سيرفع سقف هذه المطالبات وربما القضاء على مستقبله السياسى أيضا.
الرئيس الآن فى مرحلة تقليص الخسائر. فما بدائله؟ ليس أمامه الكثير من الحلول. سيتحدث إلى الشعب ويعلن على الأرجح أن أسلوبه كان خطأ وأنه سيراجعه ويعدله، وسيسعى إلى استرضاء الأحزاب والنقابات. وهذا ما يحصل الان .
غالبا لن يكون هذا كافيا وستستمر الاحتجاجات، فيضطر إلى التضحية بحكومته وتشكيل "حكومة وحدة وطنية". وهنا قد ترفض بعض الرموز المشاركة. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بدقة، ولكن لا يمكن استبعاد تغيير الحكومة أو حل البرلمان في النهاية، للخروج من الأزمة والبدء من جديد فى المحاولة الصعبة للغاية لتحديث النموذج الاردني .
من المبكر التنبؤ كذلك بتأثير هذه الأزمة السياسية الحادة على وضعية الاْردن الدولية وعلاقاتها الخارجية،. كما إنه من المؤكد أن السياحة ستضرر بشكل كبير . أما عن الآثار الاقتصادية فهى بالتأكيد كبيرة،.
تبقى في النهاية ضرورة الإشارة إلى أن الكثير يتمنى ان يحدث في الاْردن ما حدث فى بعض دول الثورات/الانتفاضات العربية
قوات الامن فيها مهنية ومدربة وليست في حالة عداء ضد المواطنين المحتجين، وليس فى قلبها غصة تجاههم باعتبارهم خونة أو أعداءً للدولة. درجة وعى الشعب الاردني وإدراكه لحقوقه ومصالحه ليست بحاجة إلى تأكيد.
حمى الله الاْردن