jo24_banner
jo24_banner

معارضة جلالة الملك

د. حسن البراري
جو 24 : عدت للتو من لندن بعد أن شاركت في مؤتمر حول "المعارضة والاستقرار في الأردن،" وقد أتيحت لي فرصة زيارة البرلمان البريطاني والالتقاء بعدد من النواب من حزبي المحافظين العمال وكذلك حضور جانب من جلسة في مجلس اللوردات وشاهدت النقاش الدائر بين المعارضة والحكومة وتقاليد ذلك النقاش الحضاري المفيد.

في بريطانيا، لا تخوّن المعارضة ولا تستهدف ولا تحارب بل على العكس تماما يتم احترامها واحترام دورها واسهاماتها في الحياة العامة الى درجة انها تسمى بمعارضة جلالة الملكة وتسمى أيضا بالمعارضة الموالية والمعارضة الرسمية، فالمعارضة لها وظائف تقوم بها فهي لا تعارض فقط من أجل المعارضة، ولا يقتصر موقفها بقول كلمة "لا" على اعتبار أن المطلوب هو تسجيل موقف فقط .في بريطانيا لا تكتمل الصورة بغير وجود طرفي المعادلة الحكومة وتسمى كذلك بحكومة جلالة الملكة والمعارضة الفاعلة الايجابية .

المكان الطبيعي للمعارضة هو البرلمان وليس الشارع، وهذا لا يعني أن المعارضة لا تشارك في نشاطات خارج البرلمان، لكن الوظيفة الرئيسة للمعارضة هو العمل تحت قبة البرلمان لتقوم بما يلي: أولا، اسماع صوتها، التأثير على التشريع، وطرح بدائل حتى يكون قرار الحكومة مستندا لمعلومات ووجهات نظر مختلفة، بمعنى أن المعارضة بمعارضتها للحكومة إنما تساعد على تجويد وتحسين التشريعات والقرارات وليس الوقوف بوجهها وتعطيل اعمالها واعاقة تحركها على اعتبار أن ذلك هو انجاز يسجل للمعارضة.

في تلك البلاد البعيدة عنا، تكون المعارضة ملك للنظام السياسي ولا تخرج عليه ولا تعارضه، وإنما تعارض الحكومات ترسيخا للنظام السياسي وحفاظا عليه، وبهذا تقدم المعارضة في بريطانيا كمفهوم ربما مختلف كثيرا عما يراه البعض في اقليمنا الذي يفتخر البعض بالقول أنه معارض للنظام ويرفض الانخراط في اللعبة السياسية ولذلك بالطبع اسبابه الوجيهة فالمقارنة لا تستقيم ونحن نتحدث هنا عن بريطانيا عن ديمقراطية عريقة ونظام سياسي مستقر ومتوازن لا تتغول فيه سلطة على اخرى !

وهنا نسأل مالذي يمنع أن يكون للملك في الاردن معارضة كما أن له حكومة تأتمر بأمره ؟ ففي بريطانيا تسمى designated opposition بمعنى معارضة معينة لتقوم بمهام محدده، لكن في الاردن تتم شيطنة المعارضة من خلال السيطرة على الاعلام وتغيبب الرأي الآخر والاستعانة بكتاب التدخل السريع لخلق رأي عام مشوه عن المعارضة وكأنها رجس من عمل الشيطان، غير أن المعارضة أيضا تقوم بدور مماثل في شيطنة كل من يخالفها، والنتيجة أن الملك لديه حكومة ولكن ليس لديه معارضة . الأمر الذي يدفعها وهي المستهدفة من قبل اجهزة الحكومة للارتفاع بسقف مطالبها والتعامل بتشنج وعصبية وانفعال مع الحكومة واجهزتها الامنية ،حالة من العدائية والمواجهة في نظام ديمقراطي مازال للاسف يعاني من اختلالات بنيوية وتشريعية لا تسمح بعلاقة تكاملية بين الحكومة والمعارضة .

لا يمكن إلقاء اللوم على القوى السياسية التي وجدت نفسها مضطرة للعمل والتحرك والمعارضة خارج البرلمان، فالدولة الأردنية امعنت تشريعا وتزويرا لإرادة الناخب ما انتج برلمانات منزوعة الدسم وخالية من المعارضة، عندها فقط يمكن فهم استبسال البرلمان بسن التشريعات التي تعود بالنفع عليه مباشرة ضاربا ارادة الشارع بعرض الحائط .

المعضلة بالنسبة للأردنيين مزدوجه، فلا تتمتع الحكومات بأي مصداقية بالرغم من استطلاعات الرأي المتزلفة ، كما أنه لا يوجد للشعب ايضا معارضة حقيقية تتلمس همومه وتنقل وجهة نظره ومواقفه واتجاهاته وتساهم في تجويد العملية السياسية مستثنين من هذه المعادلة الاسلاميين وقوى الحراكات الشبابية والشعبية والمتقاعدين العسكريين وهي قوى معارضة صاعدة باتت تشكل حالة جماهيرية يمكن البناء عليها .

والكلام نفسه ينسحب على رأس الدولة، فالملك أيضا محروم من حكومة تساعده على تحمل اعباء المرحلة، وقد شاهدنا كيف ساهم الاداء الحكومي الضعيف في الزحف على شرعية وشعبية رأس الدولة، بمعنى أن الحكومات التي يختارها الملك لا تساعده وهذا يطرح سؤال حول الفائدة من اعتمادنا على نفس اليات تشكيل الحكومات وهو تساؤل يمكن للملك فقط أن يجيب عليه بعد أن ثبت له بؤس الخيارات على مدار عقد من الزمان. غير أن الملك أيضا محروم من وجود معارضة تساعده على الحكم، فقد غيبت المعارضة من البرلمان الأمر الذي دفع بالنشطاء لتجاوز البرلمان ونقل المعارضة للشارع وهو ما أفقد فرصة أن يكون للملك معارضة معينة designated ورسمية وموالية في البرلمان.


على أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالأمر يحتاج إلى نظام حزبي وهو غائب ولا توجد لغاية الآن جهود لتعزيز العمل الحزبي بسبب المضايقات الرسمية وبسبب انتشار ثقافة شعبية معادية للاحزاب. وحتى يكون الاردن مستقرا على مدار السنوات القادمة هناك حاجة لتغيير الأمر القائم وتشجيع العمل الحزبي بدلا من التضييق عليه، وإلى أن يتم ذلك لن يكون هناك معارضة لجلالة الملك في حين ستكون له حكومة تسحب من رصيد الحكم التاريخي وربما جزءا من شرعيته.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير