القطاعان العام والخاص أكثر من سؤال
الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليست أكثر من «كلاشيه» استهلاكي عالمي أتي كوصفة من المركز الرأسمالي «الغربي» لاصلاح اقتصاديات الدول النامية، ومنها الأردن. في الغرب وتحديدا أوروبا وامريكيا بدأت موجة ردة في علاقة الدولة مع القطاع الخاص، وحيث إن الدولة استعادت السيطرة على مشاريع خدمات رئيسة للمواطنين، ولربما بدأ هذا النهج ملحوظا في فرنسا والمانيا وحتى أمريكا في عهدي ترامب واوباما.
في أوروبا لامست الحكومات ضرورة الانسحاب من الشراكة نحو قطاعات الخدمات، وبالاخص الطاقة والكهرباء وادارة خدمات المدن البئية والصحية، وسحب البساط من تحت اقدام شركات محكومة بمنطوق الربح ولا تبغي غيره. موجة تجتاج اقتصاديات اوروبا « أم الليبرالية والرأسمالية»، وتصر على تصدير الى العالم الثالث بضاعة لسياسات اقتصادية لم تجلب الى البلدان النامية غير الفشل والتردي والخراب الاقتصادي والاجتماعي.
«كلاشيه» الشراكة يقدم على أنه وصفة سحرية لحل كل المشكلات من الخدمات والبنى التحتية والخدمات الطبية والنقل العام، ازمة الادارة الحكومية والفساد المستشري في الجهاز الاداري الحكومي، وحتى وصلنا الى خدمات الدفع الالكتروني وغيرها، ومن الطبيعي والواقعي والممكن أن تنطلي تحت مظلة خدمات البريد الاردني، المؤسسة الاعرق والأقدم وكفاءة في تقديم الخدمة عبر نوافذها ، وتمتلك مكاتب في أرجاء المملكة من الريف الى البادية والمدن.
احيانا يجري تسويق لمشاريع وأفكار فاشلة، وطبقت في بلدان أخرى، والنتيجة كانت حتما معلومة وواضحة، وليس هناك ضرورة لاسترداد تجربة فاشلة وعقيمة، ما دمنا ننظر الى الأمور بعين ثاقبة وواعية ومسؤولة، وما عاد الأردن يحتمل تجارب ومحاولات رخوة وتسويفية، البلد تعاني من ضائقة اقتصادية هي الأعسر والأشد في تاريخ الدولة المعاصر.
و لربما من الضرورة الوطنية، ومن الواجب الحث على خطاب استعادة الثقة في القطاع العام ومؤسسات الدولة، الدولة ليست تاجرا، ولا تبحث عن ربح وخسارة مالية. ولابد من صد مشروع تيار يروج لما يفضي بسحب البساط نهائيا من بين يدي الحكومة « القطاع العام «. وثمة خدمات لا يمكن أن ينظر اليها من الترفيه والترف الزائد انما هي حقوق للمواطنين، الكهرباء والماء والنقل والبنى التحتية، وخدمات النظافة والتعليم والسياحة وحماية الممتلكات الاثرية والطبيعية.
توسيع الشراكة مع القطاع الخاص ومدها على منظور أوسع من أكثر العبارات التي تأتي في تقارير صندوق النقد الدولي وتوصياته الاقتصادية، ويليها في تقارير وتوصيات الدول المانحة والممولة والداعمة، وتأتي أحيانا كشرط مسبق لأي قرض أو منحة أو مساعدة. علميا لم يقدم أي برهان واقعي على أن القطاع بأي بلد في العالم نجح أو قد ينجح بان يحل مكان الدولة.
و على العكس فان تقارير ودراسات اقتصادية، وبعضها صادر عن البنك الدولي أشارت الى أن اكلافا عالية تنطوي على تنفيذ استثمارات عامة من خلال القطاع الخاص، وتنطوي على أسعار لا يتحملها المستهلك مباشرة من ميزانيته أو عبر سلسلة الضرائب التي يسددها للدولة، ويجري استعمالها في تمويل اشكال هذه العقود كما في فاتورة الكهرباء والمحروقات والغاز.
ثمة ما هو ملح لاعادة طرح السؤال عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأن لا تنفلت الدولة واسعا في وضع حاجة المجتمع في سلة القطاع الخاص وعهدته، وأن لا نعود الى مربع السؤال الوطني الاجتماعي عن العدالة والمساواة في الخدمات، وعن حماية وصون المال العام من الهدر والضياع والبعثرة، وأن لا نسرف كثيرا في تطبيق وصفات اقتصادات السوق، فيكفي ما أوصلتنا اليه سياسات الخصخصة لثروات وأصول القطاع العام.