الطريق السهل
د. ادب السعود
جو 24 :
كنت أدرس في قريتنا (عيمه).. وكانت صفوف المدرسة (الأساسية) تصطف بشكل متلاصق بخطين متوازيين بينهما ساحة ترابية تستخدم كقاعة متعددة الأغراض: الطابور الصباحي، الاستراحة، ملعب رياضة، مسرح، مكان لتنفيذ النشاطات اللامنهجية، الخ...
لم يكن في القرية كهرباء لغاية 1980،أي لم يعرف الأولاد البوظة إلا من الباعة المتجولين الذين كانوا يحضرونها من المدينة في صناديق معزولة بالخشب والبوليسترين.
باص الكوستر الوحيد كان ينقل الموظفين وطلبة المرحلة الثانوية من وإلى القرية، وكان يحمل ضعفي العدد من الحمولة المقررة، ويسير على الطريق الضيقة المليئة بالحفر والمطبات طوال الرحلة اليومية..
كان علينا مغادرة القرية للالتحاق بالجامعة الأردنية والإقامة في سكن الجامعة، لم نضع أي من أسماء الجامعات الأمريكية أو البريطانية في الطلب الذي تقدمنا به للحصول على مقاعد الدراسة، لأننا لا نملك ثمن التذكرة والإقامة باهظة (الثمن) في دول (الحضارة)، حتى أن التفكير بالموضوع كان يبدو ضربا من الجنون أو أحلام اليقظة التي ليست من شأن الفقراء..
وتستمر رحلة العلم بعد وظيفة زهيدة الأجر، فلا يزال الطريق الصحراوي هو هو، وباص الحاج عبدالحفيظ الخوالدة أو باص الحاج نجيب السبول (رحمهما الله) يصرّان على الصبر وانتظار وصولنا المتأخر إلى مجمع الشرق الأوسط لنصل الطفيلة أحيانا في منتصف الليل، أو لنعلق أحيانا في المطر والثلج فيأتي نشامى الدفاع المدني لإيصالنا مع آذان الفجر فنذهب دون نوم إلى العمل ثم إلى الجامعة، وهكذا...
وفي الحافلات كان وقت الأكل (سندويشات الفلافل والشاي المغلي جدا)، و تحضير الدروس للطلبة، وتصحيح أوراق الامتحانات، والمراجعة من أجل الامتحانات (كطالب)، وقليلا من النوم تتخلله المطبات أو الوقوف المفاجئ للباص، والحديث عن رحلة الانتظار على ديوان الخدمة المدنية ذو شجون.
أعتقد أن هذا المشهد فيض من غيض من حياة معظم الشباب الأردنيين على امتداد الوطن الحبيب، ثم يطل من يقول لهم أن التحدي هو أن تختاروا الطريق الصعب وليس السهل.
بالمناسبة لم أعد أعرف معنى السهل والصعب، فقد أشكل علي المصطلح، وأغدو شاكرة لمن يوضح الفرق بين الحالين مع استخدام الأمثلة ونقل الخبرة والتجربة الشخصية..
يا ليت سهلنا مثل صعبك،،،