كاذبون!!
أول نيسان يصادف « اليوم العالمي للكذب «، لربما ليس هناك ما يروى من كذب، خيال الأردنيين قد جف، والواقع بات يتعايش مع حقيقة الكذب، والكذب لا يناقض الواقع بتاتا. الكذبة هي مفارقة، أحيانا تأتي من باب مصادرة حقيقة وصدها، احيانا تأتي تعضويا عن نقص ما، وتشويه لواقع ما، واحيانا تأتي وتتصدر لنقص في الحقيقة وضعف في مصدرها.
الانسان ولد كاذبا، وليس هناك من حساب أو رصد لمعدل كذب الانسان يوميا. والكذب لا يتوقف على قول غير حقيقي، انما أحيانا يكذب الانسان في سلوكه وتصرفاته ومظهره العام، ويكذب في لباسه وما يتقلد من أقنعة سميكة تخفي حقيقة حياته وشخصيته. لربما الاوائل قالوا أن الانسان ولد كذوبا، والفلسفة والاديان والاساطير جاءت بنظريات ومعارف لتطلف من صورة الإنسان، وتقدمه بخلاصة انسانية مثالية.
لماذا يكذب الإنسان ؟ لربما هي من مفارقات الاخلاقية، أن الكذب يقابل بابتسامة وضحك وهزل باحيان كثيرة. ويبدو ان الأنسان تعايش مع الكذب بقدر ما قد ولد به ليكون كذبا حقيقيا، والاستثناء هو الصدق والواقعية، واجمع بالمفردتين ليكونوا رديفا للكذب. في علم النفس الكذب من علامات الانفصام بالشخصية، ولربما أن المجتمع بمجموعه يعاني من أزمة انفصام عميقة، وثمة فارق شاسع بين ما هو معلن من تقي ووعظي وسري متهالك واسود ومشحون بالخوف والقلق والكراهية.
ما عاد الكذب حكاية فردية يومية، إنما العقل الجمعي منتج غزير للكذب. والناس غارقون في وحل اكاذيب كبرى : سياسية واقتصادية واجتماعية وانسانية. وليس يمر يوم دون أن نسمع عن كذبة كبرى من العيار الثقيل. دوامة من الكذب، ومن الصعب أن تتبع الكذب لتفرزه وتقول أن هذا كاذب، وهو استثناء.
في «يوم الكذب» ثمة طرف من خيط ما يقول: إن الكذب يعيش و»يعشعش « فينا، وليس من المفاجأة انتاج كذبة قابلة للتصديق، ولكن هناك من يريدنا ألا نعترف بهذه الحقيقة، وأن نظل نحكي عن عالمنا بمثالية دون أن نعتذر عما بصيب نفوسنا.
هذا « انفصام فاقع « بالضبط مثل ملاحظة مظاهر لمفارقات كثيرة تنخر في قلب المجتمع، علامتها الظاهرة الورع والتقوى والالتزام في» الشوارع والمحلات والتكسيات «، وفي نفس الوقت نلاحظ أن حجم الفساد يتضخم دون مواربة، فساد كبير لحرامية لا يميزون بين كبير أو صغير، «ودسم ولايت « يبلعون كل شيء.
فساد وكذب وخداع بين «النخبة والعامة «، هذه الانفصامات دليل على أننا نعيش في زمن بائس، يشعر فيه الانسان بالخجل عندما يعرف حقيقة نفسه، ويشعر بالخجل حينما تعري موجات النقد الواعي من اعلام وفن ودراما ما يصيب المجتمع من أمراض «هستيرية « خلطت» الحابل بالنابل» وشوهت كل الالوان.