الحي الخطير.. رواية لا تحترم كل القراء
الرواي المغربي محمد بنميلود وريث «الخبز الحافي»، والادب الواقعي، وأدب المدن والعري الاجتماعي والسياسي والطبقي. بنميلود نشر قبل أعوام روايته الاولى» الحي الخطير «. ولربما هي الرواية المغاربية والعربية الوحيدة التي تذكرنا في الخبز الحافي ل»محمد شكري «، والعصر الذهبي
في سبعينات القرن الماضي للواقعية الادبية.
و محمد شكري من رواد الواقعية الادبية ومؤسسيها في الادب العربي المعاصر. لعن المجتمع وعراه، وانحاز الى الهوامش الاجتماعية بالمدن الكبرى، واستنطق الفقر والدعارة والظلم والاستبداد، والعالم السفلي للمدن، ومجتمع القاع، ورسم عالما عنيفا لقوانين القمع والسواطير والعصابات، وعوالم المحرومين والمهمشين والضائعين والتائهين والمشردين اجتماعيا، ومن تنكرت لهم الحياة، ونبذتهم وكرهتهم السلطة، ورمى بهم المجتمع الى القاع المدوي.
«الحي الخطير» بداية ادبية متألقة لبنميلود، كاتب لم ينحز الا للكتابة، سره في بساطة اللغة والابتعاد عن الصنعة والتكلف، والمقاربات العاطفية. معجمه اللغوي من الشارع المغربي ومن الدارجة «العامية المغربية «، وما يتداوله المغاربة بالاحياء الفقيرة والمهمشة والاطراف، ولم يقم قداسة اجتماعية ودينية وثقافية على اللغة بالالفاظها ومصطلحاتها ومفرداتها.
في» الحي الخطير « الزمان والمكان مقسومان طبقيا وعاموديا الى اثنين : الاول مطمئن وناعم ومرفه ومن يعيش به يشعر بالسكينة، والثاني ساكنه مهمش ومحروم ومنفي داخل مدينته ووطنه، وطريد وعربيد وحرامي ولقيط وابن حرام، ودجال ومتسلق وسلطوي، ومخبر وتاجر مخدرات وقاتل ومهرب وغبي وجاهل ومتدين ذيله طويل، وليس له في الحياة غير تلك الاوصاف والحال الاجتماعي.
وهذا ما نزعه بنمليود في « الحي الخطير « عن المجتمع بقداسته ومحرماته وشياطينه وملائكته، وما قاله الرواي في حكاية «الحي الخطير « تنتمي الى كل الاماكن الهامشية في العالم. ثورة وتمرد الرواي بدأت من لغته واسلوبه الذي تحرر من كل القيود والمكبلات، مارس صعلكة وتمردا وثورية باللغة، وليقدم للعالم عملا روائيا خطيرا بكل القياسات، يعاين بالكتابة واللغة التهميش وامراض المجتمع والقهر والفوضى والحرمان واستلاب الحرية والحق، ولينسحب ليكون سرا من اسرار تفكيك الهندسة الاجتماعية للهوامش والاطراف للمدن الكبرى.
في «الحي الخطير « الهامشيون يموتون ولا يقبرون، ولربما هي تعاسة حظهم في الحياة والموت معا. ومن يقرأ الحي الخطير يجف حلقه، ويبزق على من في المجتمع من أباطرة وديناصورات. في الرواية بين الاصطفاف الطبقي المرئي واللامرئي الا أن خال البطل مراد رأى العالم بعين روماسية مؤمنا بان الحرية والعدالة حتميا قادمة، ودون سلاح ولا حروب طبقية، لربما هي ثورية رومانسية، وحيرة ماركسية عنوانها وردي مجبول بالأمل والسلام.
الهامش تحول الى «جغرافيا مفتوحة للنص الرواي» من اوكار الدعارة الى جيوب المخدرات، ومخازن الجريمة، ومنافخ التطرف والارهاب، ومصانع الرذيلة، وماكينة الموت السهل والرخيص وروائح القتل والدم. مجتمع القاع بكل عوالمه، من الهوامش الى الاهمال والعلاقة مع السلطة والامن، وفساد الشرطة، وتورطها في القتل والتصفية والمخدرات، ورعاية العصابات وسلب الاموال ونهبها وتجارة المخدرات، والاتجار بالمرأة.
الهامشية ليست جغرافيا واقتصادا انما حالة نفسية، ولربما هذا ما اباح به بنميلود في «الحي الخطير «. فكيف يتوغل الهامش فيك؟ ولترى كيف أن الانسان يفقد الشعور بالادمية، ويصاب بشعور مريض بالدونية والاحتقار، وتتحول الى نار ترمد من حولها، وكيف يستعر الحقد الطبقي في نفوس الهامشيين ليتحول الى نار لهيبها من سعير.
بنميلود في» الحي الخطير « خالف سرديات محمد شكري وفرانزز كافكا في صراعية المركز والهامش التي تتمركز على مرجعية ناصحة تقول : إن الخروج من الهامش مغامرة خطيرة، وبمعنى موازٍ أن الحتمية والقدرية الطبقية. ولمن قرأ الرواية فان البطل مراد خرج من البيت في مغامرة محفوفة بالمخاطر والمصاعب والمستحيل، وملغومة بالموت، وليقول للعالم إني ابحث عن أمل وحياة وخلاص، وأريد الخروج من الحي القاتم والمعلون والمظلم، ونحو عالم الاحياء البرجوازية المضيئة، وقد عاد بخفي حنين، وبذاكرة مثقلة بالجراح والانين، واسئلة متمردة عن الذات والهوية والوجود والاخر والعالم.