التنين الصيني وإحياء طريق الحرير التاريخي
الصين تحتضن على مدار 3 أيام الدورة الثانية لمؤتمر مشروع « مبادرة حزام طريق» . وبمشاركة أكثر من 30 بلدا آسيويا وأفريقيا وأوروبيا، ومن أرجاء العالم. وتحت شعارات مختلفة إحياء طريق الحرير التاريخي، وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، والتي تعرف في الادبيات السياسية الصينية في» الحزام والطريق «.
المؤتمر في دورته الثانية، وبعد 3 أعوام من انعقاد دورته الاولى، يجري انعقاده والصين تحتل مكانة متقدمة كالمصدر الاول في العالم، وترجع المبادرة الصين لواجهتها التاريخية، وتسعى الحكومة الصينية جاهدة وبحثاثة ليكون واقعا خلال أعوام قريبة. ويقوم المشروع على خلق مشاريع استراتيجية كبرى وخطوط نقل سريعة تسهل حركة البضائع والمسافرين والطاقة، وتخترق العالم القديم ويؤمن للصين بمحيطها الاسيوي تصدير ضمن منظومة مركزية محورها بكين.
طريق الحرير اتخذ عبر حقبات تاريخية أشكالا ومحاور مختلفة، فما بين القرنيين السابع والثامن عشر كان طريقا افقيا يربط بين اسيا واوروبا، ومن ثم بغداد وحلب، حيث تفرغ البضائع لكي تصنع في المدينة، وليعاد تصديرها الى اوروبا عبر مرفأ حلب، «الاسكندرون « انذاك» وطريق آخر يمر من غرب إيران باتجاه الاناضول الى أن يصب في مرفأ ازمير التركي.
كما يروي مؤرخون فان طريق الحرير واجه تبدلات في علاقة الصين والعالم الخارجي. وقد سار فيما بعد تدشين بنية تحتية لما يسمى طريق الحرير : معابد وموانيء واديرة واسواق تجارية وحواضن لتجمعات سكانية تجارية وزراعية : قرى ومدن، ولتكون أول نواة للتواصل التاريخي بين ارجاء آسيا. وقد تطورت على خلفية اكتشاف الانسان للزراعة والادوات الزراعية والحراثة الاولى.
في أدب الرحلات لابن بطوطة واخرون سردوا قصصا عن السفن العربية والصينية والهندية والاسيوية التي كانت تسلك طريقها برا وبحرا الى الصين. وتحدثوا عن مواسم الملاحة البحرية الصالحة للإبحار شرقا، وكانت تحمل بضائع من المتوسط كالزيت وعصير العنب وتنزل بها الى الصين حيث تباع لتجار وتملأ السفن بالحرير واللولو والبهارات وبضائع صينية. وحيث تحمل البضائع الصينية الى موانيء المتوسط لتعبر الى أوروبا.
وما زال لمعالم تاريخية مثل بخارى وسمرقند ومرو وبلخ ايقاع في الذاكرة الشرقية، وإن كانت مجهولة وكثيرون لا يعرفون شئيا عن دورها التاريخي والحضاري، ولا يعرفون موقعها على الخريطة، واذا انها اصبحت من جغرافيا النسيان مع انقلابات « الجيوسياسية « في خرائط العالم الجديد . فخط الحرير التاريخي احتضن في طريقه مدنا كثيرة، ووكان واصلا بين الشرق الادنى والاوسط الى المتوسط واوروبا، ومن هناك كما عبرت التجارة فالاديان والعقائد والافكار والثقافات استوطنت أيضا من البوذية والماوية والزرداشتية الى الاسلام.
اوروبا وامريكا ونادي دول المركز الرأسمالي ينظرون الى خط الحرير ومبادرة «حزام طريق» بعين مريبة وقلقة وخائفة. شبح صيني شيوعي يحوم حول أوروبا القارة العجوز، ويسمونه في الادبيات الغربية شبح التمدد الصيني، والخوف لربما ليس اقتصاديا بحتا إنما من الحامل الايدولوجي للشيوعية الصينية، وهذه المرة فان الخطر الشيوعي ليس قادما من رحم القارة انما من خارجها، فما أشبه اليوم بالامس.
الصين كقوة اقتصادية تغيير في قواعد اللعبة العالمية. وهي تكسر التقاليد والمعايير التي رسمتها قوى الرأسمالية التجارية الكبرى. والنادي المغلق للثلاثة الكبار: امريكا واوروبا واليابان، ليصبح اعضاؤه أربعا مع الصين، وتوسع المثلث الرأسمالي العالمي يعني تفكيك منطق مركزية الرأسمالية العالمية، ولربما أن تجرية الصين الواعدة والصاعدة والنمو الاقتصادي غير المسبوق الذي حققه اقتصاد جنوبي وآسيوي «هامشي « يخالف منطق سير الاقتصاد العالمي الممركز بالكامل.
الدستور