حراس الفساد
قبل أيام ضبطت الاجهزة الرقابية مئة برميل من المشمش الفاسد، ولولا مشيئة الاقدار، لكانت قد مرت براميل المشمش الى بيوت الأردنيين، وحطت على موائد الافطار في الشهر الفضيل. الحكاية متكررة كل رمضان، وهي اشارة الى ما وصل اليه الكثيرون من فساد.
الحكاية بموازاتها نشر خبر أمس الاحد عن عضو مجلس أمانة عمان شاطر قام بلمح البصر بتركيب بوابة الكترونية على شارع رئيسي في عمان ووسط بنايات واهالي يقطنون الشارع، ولربما هو وضعة قدم للاستيلاء على الشارع، وتأسيس محمية «برايفت»، وبعد أشهر يختفي الكل ويبقى الرجل الشاطر وبوابته الالكترونية.
في عمان أكثر ما تلتقط انظارك الاعتداء على المجال العام. فهناك مناطق وشوارع بلا ممرات، ولا ساحات عامة، كل المساحات الفارغة يجري احتلالها وهذا على حساب المساحة العامة. كل ما هو عام محل صراع من غرائز متوحشة ومثار رعب، سواء أكان حديقة أو مدرسة او ممرا أو رصيفا وشارعا عاما .
شوارع عمان على امتدادها واتساعها لم تعد تحمل ازمة المرور الخانقة. وحتى الشوارع باتت مركزا لتكدس العاطلين عن العمل ومنتظري الفرص والمحبطين والخانعين، ومن يمضون في الشوارع ساعات طويلة لا يعرفون الى أين يمضون، وفي عيش يومي بلا قصد ومعني قيمي وانساني؟
وهذه حكاية لسيدة عجوز تفترش ظلال حاوية مكانا لايوائها. وحكاية شاب رأي بعينيه أمه تنزف على عتبة مستشفى حكومي بانتظار قرار من الطبيب المناوب ليفرغ سريرا لاستقبالها، وفي نهاية الانتظار قال له عندما يموت مريض سندخلها بدلا عنه . وهي حكاية لا تنتهي في المستشفيات الحكومية.
المجال العام كئيب ومحبط وموغل بقوة النفوذ وسطوته المفرطة، والحكايا كثيرة. عصر الانانية من يملك القوة يفعل ما يشاء ولا أحد يقدر على أن يصده أو يرد عليه، علاقة القوي بالضعيف.
علاقات تبعث بسؤال عن القيم والاخلاص والمسؤولية، والاخيرة بمجموعها يبدو أنها غابت وتنحصر تدريجيا. لم يعد هناك مجال نتفق عليه ولنحافظ عليه معا لنضمن حياة عادلة وسليمة للجميع.
ورمضان على الابواب، فلا يهم كثيرا إن أغرق التجار الاسواق بالبضاعة الفاسدة، واستغلوا قدوم الشهر الفضيل بالاحتكارات للاسعار وتصريف منتجات رمضان. فهذه سكة رمضان في بلادنا.
و الخراب لا يصل الى هنا فحسب. فالاغنياء ممن تتحرك مشاعرهم الدينية والانسانية في رمضان يمسخون الفقراء، صور ودعائيات ونشرات واخبار على الفيس بوك وشاشات التلفزيون، ويتحول طرد الخير الى كابوس يلاحق الفقير في مناماته.
ولمن لا يعلمون فان نحو مليوني أردني لا دخل لديهم، ولا يعملون،ولا يتقاضون أجورا، وهؤلاء فقراء غير مصنفين حكوميا. ولا يملكون القدرة على شراء إفطار رمضاني، وليسوا طرفا في معادلة الاستهلاك الرمضاني، لانهم لا يملكون قوت يومهم العسير.
الفقر بحاجة الى دراسة كاشفة وجادة. والعبث الأكبر أن تترك الامور العامة على مجراها العادي، فهو اللهو والعبث. هروب من تحمل المسؤوليات، وشعور بالعدمية، ما يعني تساوي الفعل وعدم الفعل، الحياة بالموت والخير بالشر. نهرب من الواقع الى الماضي، ونبني في المجال العام انانيات مفرطة بالكراهية وتقود الى انهيارات بالاخلاق وكل شيء عام.
اشارات عاجلة التقطتها، وبعثت بالكتابة عنها، ولتصل إلى أحد من أهل القرار. وربما التهديد التي تمثله في الاجابة عن السؤال الظنين: الاردن الى أين؟
الدستور