صفقة القرن.. «سيناريوهات صادمة»
صفقة القرن، وفي إطار البحث في الكواليس عن ما قد يتسرب من معلومات وخطط ومشاريع من خلف الابواب الموصدة، ووكالات اعلام عالمية ومجلات دولية على قدر من المهنية، وما يسمى بخط التسريبات اللامتناهي عن «صفقة القرن».
من اكثر التسريبات حول الصفقة نشرت في الاعلام الاسرائيلي، جاءت كبالونات اختبار تطرح سيناريوهات متقاطعة، وترصد ردود الفعل قبل اي اعلان عن الصفقة وصيغتها النهائية. حتى الان التسريبات اقرب الى سيناريوهات لا خرائط نهائية، افكار تطرح الخطوط العريضة لخطة السلام الامريكية الجديدة كما يجري تسميتها في الاعلام الامريكي والعربي المنحاز والميال الى السياسة الامريكية والاسرائيلية.
حسب تصريحات منسوبة لكوشنير المستشار السياسي للرئيس الامريكي فان الاعلان عن الصفقة ارجئ لبعد رمضان. وتشكيل نتنياهو لحكومته الجديدة على وقع تحالفات سياسية مع اليمين المتطرف بعدما كسبت الجولة الاخيرة من انتخابات الكنيست. وارجاء الاعلان هنا لم يقصد مقدسا دينيا «الصيام» لدى الشعوب الاسلامية بقدر ما هو مربوط باعتبارات سياسية موضوعية اسرائيلية بحتة.
بلا شك إن ثمة تعقيدات هائلة في القضية الفلسطينية، ومن الصعب القفز فوقها بسهولة، من القدس والرمزية الدينية والتاريخية والشرعية، واللاجئين المعني الشرعي والقانوني والسياسي لحق العودة، والسلطة الوطنية وضم المستوطنات في الضفة الغربية الى اسرائيل والمعني السياسي والواقعي العلني لحل الدولتين.
وإيضا من التعقيدات الكبرى لصفقة القرن غياب أي شريك فلسطيني يمكن أن يوقع على وثيقة الاستسلام الختامية للقضية الفلسطينية. ووفقا لمصلحة تصوات إمريكية -اسرائيلية، تريد تمرير سلام بالقوة والعنفوان و الجبروت وسلام القوة والاذعان، واختلال بتوازنات العلاقات الاستراتجية بين أطراف الصراع الاقدم على الكرة الارضية.
العرب هم الحلقة الاضعف في كل صراعات وازمات الاقليم. ولولا ان العرب ضعاف لما جاء اعلان القدس عاصمة لاسرائيل بهذه الطريقة الفجة والاستعلائية والفوقية، دون ادنى احترام للقانون الدولي والمرجعيات الدولية. ولربما ما زاد الطيب بلة إعلان ترامب ضم الجولان الى إسرائيل، بذات العنهجية والعقلية الاستقوائية، منح ما لا يملك لمن لا يستحق ! وهي معادلة غربية تاريخية في تثبيت الصراع العربي -الاسرائيلي.
نتنياهو قضى عطلة عيد الفصح اليهودي في الجولان المحتل، ونشر صورا على السوشيال ميديا مذيلة بعبارة : ما اجملك يا ارض اسرائيل ! و بالطبع فان ترامب ينتظر ثمنا للهدايا الطوعية التي قدمها لنتنياهو واليمين الاسرائيلي المتطرف، وموعدها سيكون في انتخابات الولاية الثانية للرئاسة الامريكية، والبحث عن أصوات الموالين والمتعاطفين والداعمين لاسرائيل في الولايات المتحدة، ولربما سيحصل ترامب على جائزة نوبل للسلام، وذلك شأن رؤساء أمريكيين سابقين.
المجتمع الدولي يرفض التغول الامريكي على المرجعيات الدولية، ويرى إنها سياسة غير مناسبة، و لا يمكن ان تصنع سلاما مهما كانت الظروف والمعطيات، والاوروبيون والصينيون والروس يمانعون السياسة الامريكية الترامبية، ولكن في المحصلة فان الحصاد لن يكون بان يدافع عن القضية وعدالتها ومشروعيتها والحقوق الوطنية والسياسية المهدروة والضائعة إطرافا دولية بالوكالة والنيابية. وكما يقولون بالعامية « كل بقلع شوكه بيديه «.
القضية الفلسطينية منسية من الذاكرة الرسمية العربية، وتتموضع على قائمة القضايا المهجورة، و لربما إن انهيار وتهور النظام العربي من دوافع هذه الاستباحة غير المسبوقة للقضية الفلسطينية والعربية إيضا. واكثر ما هو لافت إن بلدانا عربية اصبحت على استعداد تام بالمضي قدما نحو اسرائيل بتطبيع اقتصادي وسياسي وعسكري واستراتيجي، ودونما إي حسابات مرتبطة بحل عادل و شرعي للقضية الفلسطينية والانسحاب من الاراضي المحتلة على ابسط تقديرات المبادرة العربية التي اعلن موتها سريرا.
صفقة القرن في جوهرها نحر الطابع التحرري الوطني للقضية الفلسطينية، وجعلها قضية انسانية بحتة، دون إي غلاف وجودي وطني تحرري. قضية «أكل وشرب وخبز « لجمهور من المواطنين يبحثون عن غطاء انساني، وما يعني مع مرور الوقت نهاية القضية، وانتهاء الهوية النضالية الفلسطينية.
وثيقة مسربة نشرتها فورين إفيرز « الامريكية فان كوشنر يطالب الغاء « الاونروا « ليس بمجرد وقف التمويل المالي الامريكي، انما يحاول كوشنر ان يسوّق لصفقة القرن باعتبارها مشروعات إنسانية تخفف المعاناة عن الفلسطينيين. والفكرة الثانية تروج لسياسة قضم العلاقة بين الضفة الغربية وغزة، فلا دولة فلسطينية ولو على الورق، وفقا لحل الدولتين.
ومن افكار وسيناريوهات صفقة القرن المسربة قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومحدودة الصلاحيات، و تقريبا على نسية 50 % من الاراضي المحتلة. النسبة متفاوتة من تسريب الى اخر، ولكن ما لا يختلف عليه إن نتنياهو تعهد أن يمضي بعد تشكيل الحكومة الى شطب حقوق اللاجئين واعادة ترقيع خرائط مشروعات تبادل الاراضي، وهي وعود اطلقها بالانتخابات وسيمضي بالالتزام بها.
تسريبات صفقة القرن بلا شك فانها تحمل اثمانا باهظة يمكن إن تجرها الحلول الامريكية -الاسرائيلية على بلدان في المنطقة. واردنيا فاكثر ما يجري سياسيا هو اختبار القدرة الرسمية والشعبية على التحدي والصمود قبل مناقشة وطرح إفكار الصفقة.
من عارض افكار الصفقة ان تتحول اسرائيل من عدو الى صديق، وان يحذف الصراع من الذاكرة العربية والفلسطينية، ودون استعادة الحقوق، وان يجري رسم عدو افتراضي جديد وهو إيران.
تسريبات غير منقطعة عن صفقة القرن، و لربما إنها مرشحة بعد رمضان لازالة الستار عن فصول المسرحية باكلمها، وخزان الاسرار مازال مليئا باخبار مجهولة وصادمة عن الصفقة وسيناريوهاتها، وما قد يرسم في الاقليم خرائط جديدة للاعوام المقبلة، ويعيد ترقيع الخرائط القديمة، وتقع استبدالات جيوسياسية عاموديا وافقيا.