قمة مكة وحرب إيران!
واشنطن و حلفاؤها في المنطقة أكثر ما يبدو ملتبسين إزاء التصرف مع إيران. ترامب يهوى الصفقات، ومن صناعها، و لربما أزمة كوريا الشمالية ليست بالبعيدة، و الفريقان: الامريكي و الكوري الشمالي خرجا من دائرة الصراع الساخن ، ووصلا الى طاولة المفاوضات و التهدئة. وكلاهما يقيس الامور بما تمليه عليه مصلحة بلاده أولا كما يراها.
في الملف الايراني، لربما ان ترامب تصرف على نحو مغاير لحد ما . اجواء الصفقة لا يمكن استبعادها، ولكن الادارة الامريكية تجمع عناصر القوة و اوراق الضغط قبل أن تذهب الى المفاوضات. حلفاء واشنطن يقفون على أرضية رخوة، ولربما أن واشنطن تدرك ما تملكه دول صديقة وحليفة في المنطقة عسكريا و لوجستيا لمواجهة إيران، و إطلاق حرب أو مواجهات عسكرية مباشرة ضدها.
في مكة يعقد مؤتمران متزامنان خليجي وعربي وإسلامي، للتباحث حول ايران و التهديد الايراني، و اشباح الحرب و التصعيد العسكري التي دقت واشنطن طبولها على مسامع العرب و الايرانيين معا. المحور العربي المضاد لايران و المساند لواشنطن يبحث عن لملمة اصدقاء و حلفاء و اعوان لاي حرب ومواجهة طارئة.
في البحث و التسخين لحرب جديدة في الشرق الاوسط، لابد من الانتباه الى أن المنطقة تموج على حروب غير منتهية، وما زالت مفاعيلها تضرب و تدك في استقرار المنطقة بدءا من ليبيا الى اليمن و سورية و العراق، و العودة المترجحة لموجات الارهاب، و فصول جديدة للنسخة الثانية من موجة الربيع العربي التي اندلعت في السودان و الجزائر.
يبدو أن اصحاب الرأي في الحرب ضد ايران لم يتنبهوا الى أن كل الحروب و المواجهات ضد طهران لم تجدِ نفعا، ولم تحقق غايتها في لجم طهران، و ضرب مصالحها الاستراتيجية. فلو جردنا الحسابات فان طهران هي الرابح في حرب سورية و العراق و اليمن، و الاخيرة تفرز قوة عسكرية نوعية لقوات الحوثيين الذين اعلنوا عن تبني عمليات تخريب لبواخر في ميناء الفجيرة الاماراتي، وتفجير خطوط نفط سعودية بطائرات مسيرة.
حتى الان، لا أحد قادر على أن يحسم الخيارات. فالوجهة الامريكية، و ما يرافقها من استنفار سياسي و دبلوماسي وعسكري و اعلامي لا تعكس بالضرورة خيار الحرب. ولكن لربما أن دولا في المنطقة مؤهلة لتكون مسرحا لمواجهات كبيرة، و قد لا تكون ساحاتها محصورة، ونهاياتها مفتوحة بلا حسم، وقد رأينا ضربات متتالية على المنطقة الخضراء في بغداد، وما حملت من رسائل ايرانية بان ساحة الحرب مفتوحة، وقد جاءت بموازاة ضربات الحوثيين في السعودية و الامارات.
ولو وسعنا من حركة الفرجار، ودورنا بالسؤال : ماذا لو ان الامريكان و الايرانيين توصلا الى صفقة وتسوية ؟ فما هو مصير حلفاء امريكا؟ السؤال يفرض نفسه، الصفقات و التسويات من أشد الالعاب التي يتقنها ترامب، بل يتفنن في توجيه السياسة الامريكية لخياراتها التكتيكية ، و هو ما بات من الامكان اليوم ودون أن نجزم بانه سيقع في جولات التصعيد و التسخين السياسي و الدبلوماسي الامريكي -الايراني.
و في ما يخصنا نحن، في الأردن و فلسطين، يدرك الجميع أن الحرب على إيران هي المحصلة ضمن حزمة السياسة الامريكية -الاسرائيلية لتمرير صفقة القرن، و تضييق الخيارات على الدول الممانعة و الرافضة لبنود الصفقة كما جاءت في التسريبات الامريكية -الاسرائيلية، و ما يجري من تثبيته لواقع حال جديد للسيطرة الاسرائيلية على القدس و الضفة الغربية و الجولان، واعلان ضم المستوطنات في الضفة و الغاء الاونروا، وحق العودة .
بلا شك فان امريكا و اسرائيل يلعبان على استراتيجية تبديل الاعداء بالوكالات، فاسرائيل ما عادت في النظام الرسمي العربي عدوا بل صديقا للبعض. و هناك دول عربية تتسابق بالعلن بالتطبيع مع تل ابيب . و أي حرب منتظرة في المنطقة تسعى الى تعزيز امن اسرائيل و حمايتها، و اسرائيل تعرف جيدا ان اندلاع حرب يعني بانها ستكون في مرمى نيران حلفاء ايران، وستكون هدفا حقيقيا، وما يعني بوضوح أنها ستدخل الحرب، وليس على غرار حرب الخليج الامريكية ضد العراق التي انتهجت اسرائيل بها سياسة النأي بالنفس رغم صواريخ صدام حسين التي وصلت تل ابيب.
الحرب ليست من مصلحة أي طرف اقليمي. ولو أن الدول العربية في مؤتمر مكة تبحث عن بناء سياسة عربية واحدة، و تتجنب التورط في الترويج لصيغ الدعاية و التحشييد و الترويج للحرب ضد ايران، و الاستسهال في استبدال واجهات الصراع في الشرق الاوسط، ومن هو العدو الحقيقي؟
و الاختفاء وراء حقيقة أن اسرائيل هي العدو الحضاري و الانساني للامة العربية و الاسلامية. ولربما أن الامر الأهم الخروج من سياسة تكسير الحلفاء الاقربين في المنطقة : ايران وتركيا، والاستدارة لما هو أفضل نحو بناء علاقات استراتيجية و متينة مع دول الجوار.