قبل أن تحترق غابات الأردن!
حرائق غامضة. اشجار عمرها الاف السنين في غابات برقش وعلجون وجرش احترقت. لم يبق منها غير رماد يبعث في العين الألم على ما اصاب الطبيعة الاردنية.
الحكومة وأجهزتها في اشتباك و مواجهة جديدة مع السؤال عن جاهزية خدمات الطوارئ والامن العام والدفاع المدني. وتذكرون حادثة فيضانات البحر الميت التي أودت بحياة 22 طالبا واصابت العشرات بجروج بالغة ؟ والسؤال ما زال محتدما عن جاهزية الدولة للتعامل مع الطوارئ، وأين الاخفاق والخلل في إدارة أي أزمة أو طارئ، وما زال سؤالا معلقا ومسكوتا عنه وبلا اجابات.
ومهما تكن اسباب الحريق سواء إهمال فردي وشعبي ورسمي وعبث وفعل مقصود وعوامل بيئة وطبيعية. والامن العام قال في بيان صحفي أنه القى القبض على شخص متورط في إشعال النيران. ومهما يكن الأمر فالحريق لم يكن مفاجئا، كل المؤشرات، وفي طليعتها المناخية وتغيير الطقس، وارتفاع درجات الحرارة، والانتشار الكثيف للاعشاب الجافة بسبب هطول الامطار، وعدم وجود سياسات وقائية اجرائية تقي الغابات من الحرائق، وما يؤكد أن وقوع أي حريق سيكون كارثيا.
حرائق غابات برقش وجرش خلال الايام الماضية امتدت لنحو 800 دونم. ولا أفهم، أين وزارة الزراعة ؟ واين السياسات الوقائية المفترضة للوقاية من الحرائق ؟ واين الدوريات والتفتيش والرقابة الدورية على الغابات والمحميات والحراج ؟ الغطاء الاخضر في الاردن بعد حريق غابة جرش أصبح أشد تصحرا ؟
اين حملات أردن أخضر ؟ وأين حملات حماية الغابات والحراج ؟ واين قرارات الحكومة بإطلاق حملات لمكافحة وحماية الغابات والحراج ؟ نيران الحريق في جرش التهمت بقعا خضراء على رقع ممتدة، وكأن الوقائية والخدمات غير عاملة وليست موجودة.
حريق الغابات ليس كارثة طبيعية، ولا تصنف كالزلازل والبراكين، بل إنها في معجم الكوارث يمكن تجنبها. ولذلك فانه من الواجب أن لا ينظر الى حريق الغابات بمعزل عن ادارة الازمات للتعامل معها وحمايتها من الاهمال والعبث والتعدي. ومعلوم لدى المعنيين بالحكومة أن للغابات استعمالات كثيرة قديمة وحديثة، وهذا ما لا يجري مراعاته كفاية، ولا سيما من جوانب تهدد المساحات الخضراء على ضيقها وصغرها في الاردن.
الاردن يواجه التصحر، والمساحات الخضراء تختفي رويدا رويدا، بفعل التمدد العمراني، وسياسة التنظيم والتخطيط البلدي التي تسمح بالاعتداء على الاشجار والبناء المخالف، وتسمح أحيانا بمشاريع عدوة للبئية والاشجار.
تحاشي والوقاية من الحرائق من ابسط الاجراءات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة. ولربما أن السادة في وزارة الزراعة لا يعرفون أن هناك تجميعا للاعشاب قبل جفافها، وكما أن هناك اجراءات يبدو أنها غير مفعلة في المراقبة ويقوم على فكرة أن الحريق اذا ما عرف في بدايته، فانه من السهل إطفاؤه «.
فالدقائق الاولى تكون حاسمة وفاصلة، فدلو ماء يطفئ حريقا يمكن أن يلتهم غابة. ولو ترك الحريق لدقائق قليلة فيمكن ان يمتد لمساحات لا منظورة، ويحتاج الى طائرات ومروحيات وجيش من آليات الاطفاء. وفي حريق غابات جرش، لربما أن السؤال عن اللحظة الاولى لاندلاع الحريق سيجري التستر عليه، كالعادة في أي تحقيق رسمي في واقعة وحادثة يشوبها اتهامات بالتقصير وسوء الادارة وغيرها.
حرائق غابات جرش أيضا تطرح سؤالا إضافيا عن التدخل السريع «الطوارئ» المخصص لحرائق الغابات والاشجار والمسطحات الخصراء، وليس بقية الانواع الاخرى من الحرائق. وتكون هذه الفرق، ولا اعرف إن كانت موجودة لدى الدفاع المدني والزراعة، ولكنها تكون مؤلفة من عناصر مدربة ومؤهلة وعبقرية قادرة على الدخول الى الغابات، وتقيم خطط طوارئ وخططا بديلة، ولديها تجهيزات تقنية وفنية ولوجوستية للتعامل مع الحريق فور اندلاعه.
حريق الغابات ليس عاديا هذا العام. ويبدو «آب اللهاب» يحمل الالسنة من النيران المشتعلة والطائشة، وأن النيران في طريقها لتوقد من تحت رماد الغابات وما تبقى من مساحات خضراء، وهي آخر رئة للتنفس في بلد ينحصر ليس بسبب ارتفاع درجات الحرارة أنما بعطب العقول وارادة النفوس، بالاهمال والعبث واللامبالاة. وهكذا قبل أن تتحصر العروق تحصرت العقول ، وحتى لا يكون مصابنا أكبر ايها السادة الكرام، وكل حريق وأنتم بسلام وخير.