jo24_banner
jo24_banner

دور المثقّف العربي في الزمن الصعب

أ.د صلاح جرار
جو 24 :


عندما تمرّ الأمّة في أزمات ومحن، ويفقد الناس ثقتهم بالقدرة على تجاوز تلك المحن والأزمات، تتوجّه الأنظار إلى أهل الرأي والفكر والثقافة لتفسير واقع الحال والكشف عن أسبابه وإرشاد الأمّة إلى سبل التغلّب على الأزمات والمحن والخروج منها ثمّ الانطلاق نحو البناء والنهضة والتقدّم.

ولا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال أن يدفن المثقف رأسه في الرمال عند حلول المحن والمصاعب، بل عليه أن يتصدّى لها بفكره ومعرفته، غير أن أخطر ما يمكن أن يقترفه المثقف –للتهرّب والتنصّل من القيام بمسؤوليته- أن يلجأ إلى تسويغ واقع الحال والدفاع عمّن تسبّبوا في إيراد الأمّة موارد الهلكة والضياع، ذلك أنّ الثقافة كلمة تكاد تكون مرادفة للإصلاح والتقويم. وما دامت رسالة الثقافة تقوم على الإصلاح والتقويم فإنّ أهمّ ما ينبغي على المثقف فعله هو الدفاع عن ثوابت الأمّة ومقدراتها وعوامل وحدتها ونهضتها، وأن يبقى متيقّظاً للتنبيه على أي انحراف أو خروجٍ على تلك الثوابت والمقدّرات والقيم.

وأوّل ما ينبغي على المثقف العربي في هذه الأيّام التي تواجه فيها الأمّة تحدّيات بالغة الخطورة أن لا يتنازل تحت أي ظرف أو ذريعة عن مطلب وحدة الأمّة كي تتمكن من مواجهة الأخطار المحدقة بها، وهذا المطلب هو مطلب المثقفين قبل أن يكون مطلب أي قطاع آخر، لأنّ الثقافة العربيّة واحدة من المحيط إلى الخليج ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ولأنّ لدى هذه الثقافة من عوامل القوّة والصمود والمنعة ما يجعل الأمّة التي تتميّز بها من أقوى الأمم وأقدرها على النهوض والتقدّم وكبح أعداء الطامعين.

وممّا ينبغي على المثقفين العرب الدعوة إليه في هذا الإطار أنّه إذا كان لا بدّ للدول العربيّة أن تتحالف مع قوىً كبرى، فلتتحالف جميعها مع دولة كبرى واحدة أو تحالف دولي واحد، لا أن تتحالف مع قوى متصارعة لأن تحالفها مع قوى متصارعة يؤدي إلى زيادة تفككها بانحياز كل دولة منها إلى القوة التي تتحالف معها ضدّ القوة الأخرى ومن يتحالف معها، وهذا هو سرّ محنة الأمّة العربيّة في هذه الأيّام حيث تتحالف دولٌ عربيّة مع الحلف الأمريكي الغربي، وتتحالف دول عربيّة أخرى مع الحلف الروسي الشرقي، وبهذا يفقد العرب استقلالهم وقرارهم وإراداتهم وتستمر نزاعاتهم ويتحولّون إلى رؤوس حراب للقوى المتصارعة.

ولا بدّ للمثقف في هذه الحال أن يعمل فكره وقلمه للدعوة إلى وضع حدّ للنزاعات بين الدول العربيّة وتجنب تحريض أيّ دولة على دولة أخرى لأن ذلك يتناقض مع دوره ورسالته.

وفي هذا الإطار وقبل أن يتبنى الدعوة إلى الوحدة العربيّة الشاملة فإنّ على المثقّف أن يدعو إلى تماسك المجتمعات في الدول العربيّة ووحدتها، وأن يتبنى الدعوة إلى إنهاء كلّ النزاعات والفتن الداخلية داخل أي بلد عربيّ وأن لا يحرّض أحد طرفي النزاع ضدّ الطرف الآخر، وأن يدعو إلى إنهاء النزاع بالحوار والطرق السلميّة فقط، لأن نشوب النزاعات والفتن داخل أي قطر عربيّ يهدّد بمزيد من التفكّك والضعف وقد يمتد خطره إلى دول عربيّة أخرى.

ومثلما على المثقف أن يتبنى الدعوة إلى إخماد الفتن والنزاعات داخل الأقطار العربيّة أو بينها، والدعوة إلى عدم الانضمام لتحالفات خارجيّة متصارعة، والدعوة إلى الوحدة العربيّة، فإنّ عليه أيضاً أن يتبنى الدعوة إلى تحرير كلّ ذرة تراب عربيّة جرى احتلالها من قبل الصهاينة ودعم كلّ من يقاوم الاحتلال بكلّ وسائل الدعم الممكنة.

هذه هي رسالة المثقف العربي في الزمن الصعب، وقد تتغير المطالب التي عليه أن يتبنّاها ويدعو إليها بتغيّر الأحوال والظروف، على أن تبقى مصلحة الأمّة والمحافظة على ترابها ومقدّراتها وثوابتها هي الغاية القصوى والهدف الأسمى للمثقف.

salahjarrar@hotmail.com

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير