مكان خاص في الجحيم
بات مؤكدا وفقا لتقارير رصينة أن إسرائيل رفعت من منسوب الاستنفار تحسبا لأي تغير على أرض الواقع في سوريا يمكن له أن يساهم في احداث تغيير في موازين القوى السائدة في جنوب لبنان، بما قد ينعكس سلبا على الأمن الإسرائيلي، فقيام إسرائيل بقصف أهداف منتقاة في العمق السوري يعكس تغيرا في قواعد اللعبة التي حكمت العلاقة بين البلدين، فالقراءة الإسرائيلية تفيد أن محاولات نقل صواريخ متطورة بمدى طويل ودقة متناهية إلى حزب الله من شأنه أن يفضي إلى أمرين هما مصدر قلق دائم للإسرائيليين. فمن جانب يمكن نشر وتفعيل هذه الصواريخ داخل العمق اللبناني، كما أن من شأنها إحداث تغيير في الموازين القائمة بين الحزب واسرائيل وهو سبب كاف- حسب للعقيدة الامنية الاسرائيلية- أو مبرر (Casus belli) لإسرائيل لشن هجوم استباقي.
فقيام إسرائيل بقصف أهداف سورية لم يكن خشية على المعارضة- كما يريد الاسد ان يفهم العرب- ولا خشية منها، فإسرائيل لم تتدخل على مدار عامين من التقتيل الذي أودى بحياة ما يقارب 100 ألف سوري، بمعنى آخر أن قيام اسرائيل بمخاطرة محسوبة من هذا النوع انما لتتجنب سيناريو استراتيجي قد يكون مرعبا في قادم الأيام وليس خدمة للمعارضة السورية.
وحتى نضع الهجوم في اطاره الصحيح علينا ان نتفحص الموقف الإسرائيلي حيال ما يجري في سوريا. صحيح ان الحكومة الإسرائيلية لا تعلن موقفا رسميا لكن يمكن التمييز بين مقاربتين متنافستين لضرورة ما يخدم مصالح إسرائيل. هناك مدرسة ترى أن انهيار النظام في سوريا يقدم خدمة استراتيجية لإسرائيل لأن من شأن الانهيار أن يفصم عرى التحالف التي تربط بين إيران وحزب الله وسوريا. اصحاب هذه المقاربة لا يقدمون اجابات كافية للمجتمع الإسرائيلي حول الفوضى التي قد تنتج عن سيناريو رحيل النظام ووصول قوى متطرفة قد تستهدف إسرائيل. بالمقابل هناك مدرسة لسان حالها يقول ان الشيطان الذي تعرف هو خير من الشيطان الذي لا تعرف، وبهذا المعنى فإن بقاء النظام هو أهون الشرين وخاصة وأن التحالف مع إيران وحزب الله وإن خلق حالة ممانعة إلا انه لم يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل. وهذه القراءة قد لا تصمد في حال نجاح إيران بتطوير اسلحة غير تقليدية وانظمة اطلاق متطورة تجعل من العمق الإسرائيلي هدفا متاحا. لكن أصحاب هذه المدرسة يرون أن ابقاء الأسد ضعيفا في دمشق هو خير لإسرائيل من رحيله وانهيار سوريا، ما يخلق اخطارا جديدة قد لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية التصدي لها.
العدوان الإسرائيلي على سوريا جاء صادما للجانب العربي، ونلاحظ أن القيادة السورية- التي تظهر عجزا متواصلا في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة- مشغولة في توظيف الهجوم الاسرائيلي في اطار شيطنة الثورة السورية وخلق وهم أن هناك تعاونا وتنسيقا بين اسرائيل والمعارضة. واندفعت الاقلام المتحالفة مع نظام الاسد لادانة ما جرى على اعتبار ان هذا برهان اضافي لكل من يشكك في الرواية السورية الرسمية التي تفيد أن لا ربيع عربي ولا ما يحزنون، فكل ما يجري في سوريا هو مؤامرة من الخارج.
وجاءت التصريحات السورية التي وصفت الغارة بانها اعلان حرب على سوريا خالية من اي مضمون، فسوريا اليوم تقف عاجزة عن الرد على إسرائيل أو رفع الكلفة على الحكومة الاسرائيلية التي نالت تأييد الولايات المتحدة وقوى غربية هامة. وستكون مفاجأة للكثيرين إن تمكنت سوريا من الرد عمليا على ما جرى.
على الارجح ستستغل اميركا هذه العملية في سياق المفاوضات القادمة بين بوتين واوباما بعد أن عجز السلاح الشرقي مرة أخرى في الوقوف في وجه العدوان الاسرائيلي المدجج بسلاح غربي.