فذلكة الإعلام والتحايل على الوعي
قلما اتابع ما ينشر في وسائل اعلامنا الرسمية، لانني اعرف الية صناعة الخبر هناك، واعرف ان ادارات هذه المؤسسات غير مستقلة وان هناك دائما تعليمات ومحظورات وتوجيهات وتابوهات وقوائم سوداء وقوائم بيضاء . كما اني احرص على تجنب متابعة روايات وسيناريوهات وحسابات يضعها المركز الامني واحيانا السياسي ، ويأخذ الاعلام وكتاب الاعمدة باجترارها وتزويقها واعادة انتاجها كل بطريقته الخاصة في التصوير والتمثيل والعرض والسرد. بعضهم يحاول تسويقها بشكل مباشر ودون مراوغة ومواربة وتذاكي ، في حين يلجأ البعض الاخر لاساليب التورية والاستعارة واللعب بالمفردات والقناعات والمخاوف والهواجس لتمرير افكار وبرامج جرى اقناعهم بها . وهؤلاء يحرصون دائما على تمرير افكار المركز الامني بحذاقة ولؤم ، يدسون السمّ بالعسل، يمرّرون المطلوب بقوالب تبدو انها محايدة وشفافة ولكن جوهرها سام ، تفوح منه رائحة الارتزاق والتكسب والبحث عن مكان وحيز ووظيفة .
في الايام القليلة الماضية خضعنا لوابل من تلك التحاليل المربكة التي تحايل بها صحفيون ووسائل اعلام على اللغة، وحاولوا ان يمرروا افكار المركز الامني مستخدمين كل مهاراتهم ومعارفهم وخبراتهم وذكائهم لحمل الناس على الاقتناع بتلك الافكار وتبنيها والدفاع عنها .
وخارج هذه السياقات الصعبة المعقدة ، تناول زميلان الحالة الراهنة بكثير من التبسيط والتسطيح والاجتزاء ، حيث تحدث احد الزملاء في مقالة نشرها مؤخرا عن رئيس الوزراء عبدالله النسور وقال انه اخذ موضوع توزير النواب على محمل الجد ، وان احدا في الدولة لم ينبه النسور لمعارضة الملك توزير النواب وبذلك يلوم الجهات الرسمية الاخرى ، ويقول انها ورطت الرئيس وادخلته في دائرة الصدام والمواجهة مع مجلس النواب، وتحديدا اولئك الذين وعدهم بالحقائب (..) . وكشف الزميل عن تفكير النسور بالانسحاب المشرف (الاستقالة) قبل ان تجري اقالة الرجل وحتى لا يقال انه اول رئيس وزراء في عهد المملكة الرابعة تسقط حكومته تحت القبة ..
وهنا نسأل الزميل الا يعرف النسور جيدا ان قرار التعديل الوزاري ليس قرارا يتخذه دون العودة للملك على الاقل ؟ اليس من الجدية بمكان ان يستمزج النسور الملك بموضوع توزير النواب واجراء التعديل قبل ان يعلن ذلك وقبل ان يساوم النواب على هذه الارضية ؟
اما كاتبنا الاخر فكان قلقا جدا من استمرار تضحية الدولة بالسياسيين الواحد تلو الاخر ، وقال دفاعا عن النسور انه متمسك بتقوية حكومته ، وانه من الخطأ انتظار سقوطه بعد ان تجاوز منعطفات خطرة ، متهما معارضيه بان دوافعهم وحساباتهم شخصية وجميعهم من الباحثين عن شعبوية مكشوفة ، اما موضوع رفع تعرفة الكهرباء فمشكلته معها باليات تمريرها في ظل معارضة نيابية نامية ورفض شعبي واسع النطاق ! كما تطرق ايضا الى مسألة الاستقالة المحتملة للرجل بعد كل هذه الضغوط ؟
لا اعرف كيف وصل الزميل الى هذه الخلاصات ، ولماذا ينحاز الى فكرة تقوية حكومة النسور رغم الاخطاء الكبيرة التي اقترفها ؟ اما عن الرفع فلا اظن ان هناك سببا مقنعا واحدا يدفعني الى التصديق بان موقف الزميل مبرر في هذه المسألة ، فهل مشكلة رفع تعرفة الكهرباء باليات تمرير القرار فقط ؟ اما عن التضحية بالسياسيين فكم اتمنى ان تجري التضحية بهم جميعا قبل ان يتسببوا بكوارث لا قبل لنا بها ..
الزميلان العزيزان كتبت هذه السطور لانني اقرأ يوميا ما تكتبون ويهمني اليوم ان تقرأوا تعليقي هذا بحب ..