ترامب والعالم
ترامب ينظر الى العالم بسوريالية، تجمع جنونا وحماقة ومأساة ورعبا وملهاة. الدول تحترق، والشعوب تموت وتختفي عن الخرائط.
العالم امام فصل جديد من تاريخ مختلف في زمن ترامب. نهايات لموديل جديد من حرب عالمية ثالثة غير معلنة تثبت اعمدتها على خرائط العالم. ولا تتخيلوا كم أن العالم يتغير، نسخة من حرب عالمية ثالثة خارجة عن كل الاطر التقليدية عسكريا واستراتيجيا. في الشمال الشرقي السوري اعادة انتاج لافغانستان
و فتينام عربي.
ترامب تخلى عن الاكراد الحليف والصديق التاريخي للامريكان. تركهم فريسة لمشروع أردوغان التوسعي الامبراطوري. وفي تبرير موقفه من الاكراد بدا كم أن ترامب يجهل في التاريخ عندما قال : ان الاكراد لم يساعدوا امريكا في الحرب العالمية الثانية وتحديدا معركة النورماندي.
بلا شك وأدنى واثقية فان ترامب لا يعلم شيئا عن الملف الكردي وتاريخ الاكراد، جهل شديد واعتباط ولا يخفى ذلك من تصريحاته حول مغالطات تاريخية معلومة لدى الداني والقاصي من المهتمين ومتابعي تاريخ الشرق الاوسط ونزعاته.
فلو أن ترامب استمع لمستشاريه قليلا لأوضحوا له حقيقة عدم مشاركة الاكراد في الحرب العالمية الثانية. والاكراد شأن دول كثيرة في اوروبا منعت من المشاركة في الحرب ضد النازية.
وبحسب الرواية التاريخية فان معاهدة سيفر المبرمة 1920 أقرت للاكراد حقا باقامة دولة واستقلال ذاتي. ولكن امريكا ودول اوربية لم تلتزم بالاتفاق كما جاء بالمعاهدة بضغط من اتاتورك مؤسس تركيا العلمانية على انقاض الدولة العثمانية.
وكما ان الاكراد في عام 1946 تمكنوا من اقامة دولة سميت جمهورية مهاباد على اجزاء جغرافية من تركيا وايران، ولكن التدخل الامريكي لعب دورا في اسقاط الدولة، وكما سبقها أيضا دولة كردية اقيمت في 1927 واسهم التدخل الامريكي باسقاطها.
وفي التاريخ القريب فان الاكراد كانوا حلفاء امريكا في الحرب على الارهاب، وقدموا دورا هاما في صد الارهاب الداعشي في العراق وسورية. ولربما لم يقدم شعب في الشرق الاوسط خدمات لمصالح الغرب وامريكا كما فعل الاكراد.
بلا شك فان الرئيس الامريكي ترامب ليس مهما إن كان نسي أو تناسى حقائق في العلاقة الكردية -الامريكية. ولكن بعيدا عن المفارقتين فالرئيس ترامب استعمل الورقة الاقتصادية للضغط على اردوغان لوقف الهجوم على الشمال السوري، وجعل اردوغان يحسب الف حساب للعلاقات الاقتصادية مع واشنطن ومصالحه المبعثرة خلف شتات الخيال الامبراطوري.
الورقة الاقتصادية أوجعت اردوغان. ولربما جعلته يعيد حساباته بما أدق وأكثر واقعية في العلاقة مع واشنطن. ترامب يضع الاقتصاد مفتاحا في ماكينة العلاقات الدولية، ويضع الاقتصاد في مرتبة «الالوهة الخفية» ، عقيدة السياسة الامريكية الجديدة. القرار الامريكي لا يمر الا على فرامة الاقتصاد، فاما لامريكا مصلحة أم لا ؟
العالم في زمن ترامب يتغير. الرأسمالية الامريكية تحتوي العالم وازماته بما يخدم الاقتصاد الامريكي. ولو أن العالم بأوطانه ودوله وجغرافيته انحرق وتشتت ورمي في البحر، فبالنسبة لواشنطن أمر عادي ولا يقبل التفكير مادام مصالح الاقتصاد الامريكي بخير وسلامة. بمعنى آخر فإن العالم يعيش في ظلال وحماية القوة الايدولوجية لـ»الدولار الامريكي».