مؤشر الرخاء الدولي يثبت نجاح الأردن في صنع المعجزات
جو 24 :
تامر خورما -
احتلّ الأردن المركز 90 في مجال الأمن والسلامة، من بين 167 دولة، وفقا لمعهد ليغاتوم الدولي في مؤشر الرخاء الخاص للعام 2019. ولكن اللافت كان تراجع الأردن 14 مرتبة عن العام الماضي في مجال الصحّة، كما تراجع 10 مراكز في مجال التعليم، أما فيما يتعلق بمجال الحريّة الشخصيّة فقد بلغ المركز 121، من بين تلك الدول المسجّلة.
"نعمة الأمن والأمان" التي امتاز بها الأردن متفوّقا على 77 دولة -ومتأخرا عن 89 دولة أخرى- ربّما تعدّ "إنجازا ما" للحكومات المتعاقبة، التي تتمركز اهتماماتها حول محاور محدّدة دون غيرها، كـ "هيبة الدولة" مثلا، ولكن ماذا بشأن القطاعات الأكثر أهميّة لقياس نمو أيّة دولة على وجه الكوكب، كالصحّة والتعليم؟!
هذا التراجع المخيف في أهمّ القطاعات يسجّل صراحة لصالح حكومة د. عمر الرزاز، فقد "نجحت" خلال سنة واحدة، بخفض مؤشّر الصحّة والتعليم لمراكز قد تحتاج حكومات أخرى إلى أضعاف تلك المدّة الزمنيّة لبلوغها.
طبعا ينبغي النظر إلى هذه الأرقام بإيجابيّة مطلقة، غير محايدة، ولا موضوعيّة.. كلّ ما يحتاجه الأمر هو فقط "التفكير خارج الصندوق"، لإدراك ثلاث فوائد جوهريّة لهذا التراجع الذكيّ:
- التراجع في مستوى الخدمات الصحيّة التي يتلقّاها المواطن، هو تحفيز مباشر للعامل الذاتي، وتشجيع له على ترك العادات الصحيّة السيّئة، كتدخين السجائر الإلكترونيّة مثلا، أو الإسراف المفرط في تناول الطعام، ما يقود في النهاية إلى تحقيق وفر غذائيّ هائل في سلّة الغذاء الوطني، ومنتجات النيكوتين على حدّ سواء، وبالتالي كبح جماح غلاء الأسعار.
- كما أن مشكلة العنف الإجتماعي كانت ومازالت تشكّل همّا كبيرا تنبغي معالجته.. وهنا عليك التأمّل قليلاً، هل يمكن لأحد أن يخوض شجارا وهو يعاني آلاماً مزمنة وأمراضا مستعصية؟
- أضف إلى ذلك أنّك لو قرأت جيّدا بين السطور، فإن هذا الأمر هو إيذان رسمي بالتوقّف عن نهج الجباية الضريبيّة، والابتعاد عن مقاربة حلّ مشاكل العجز والمديونيّة على حساب الغلابى، وذلك من خلال تقصير أعمارهم، لسدّ باب الذرائع في وجه أيّة حكومة مقبلة، قد تخلف الرزاز! وهكذا سيتم إرغام القادمين الجدد إلى الدوار الرابع على البحث عن منجم ذهب آخر، غير جيب المواطن.
أمّا فيما يتعلّق بتراجع الأردن في مجال التعليم، فهنا تحديدا تكمن العبقريّة.. كيف؟
تخيّل يا رعاك الله لو كنت تعلم كلّ شيء، مثلا، أن تحيط علما كاملا بكل ما تخفيه لك قادمات الأيّام من أهوال قدر حتميّ؟ أو أن تعلم علم اليقين ما يدور حولك في الخفاء، من نميمة، ومكائد، وشرور لا يمكن تجنّبها؟ أو أن تطّلع على أسرار الثقوب السوداء، التي تبتلع حتّى الزمن.. هل تستطيع تخيّل درجة البؤس والعدميّة التي ستبلغها في حال كفرت بنعمة الجهل، وصدّقت أن العلم نور؟
الحكومة بكلّ بساطة حريصة على سعادة مواطنيها، لذا من البديهي أن تعمل على قدم وساق لتحقيق أكبر تراجع ممكن في مجال التعليم، وذلك لتجنيب الناس مصير أزمات نفسيّة لا يمكن احتمالها، كالرهاب، أو القلق المصاحب لنوبات الهلع، أو الضياع في عدميّة أو سرمديّة الثقوب السوداء.. وهذا يعيدنا إلى مسألة القطاع الصحّي، فالحكومة حريصة على صحّتك النفسيّة، بقدر حرصها على إراحتك كليّا، وبشكل جذريّ نهائيّ، من كلّ أوجاع الجسد، التي يتسبّب بها بقاء رأسك بين كتفيك!!
وأخيرا فيما يتعلّق بتراجع مؤشّر الحريّة.. بعيدا عن الخوض في التفاصيل -ليس خوفا من الرقابة لا سمح الله- بل لنقل من باب التقية، فالتفاصيل مكامن الشيطان، والعياذ بالله، تكفي الإشارة إلى أن الحريّة تستوجب المسؤوليّة، وأنت بالتأكيد لا تريد أن تتحمّل مسؤوليّة مخالفة ما ورد في هذه السطور!